يبدو الأمر مثل الأحجية، لا أحد يفهم ما هو باب الاعتراض الحقيقي، رغم أن الكثير من النقاش كان يدور حول شرعية عقد المجلس وآلية عقده، والبعض بدأ يكيل اتهامات حول الغاية من وراء عقده، وبمتابعة النقاش الدائر فإن الشعور الوحيد الذي يمكن أن تخرج منه هو أنت مع أو ضد عقد الجلسة وإجراء تغيرات في اللجنة التنفيذية.
أولاً ما المطلوب؟ أن يتم تعطيل النظام السياسي حتى إنجاز المصالحة. بالطبع أنا من الذين يشعرون بالحزن لقول ذلك، لأنني أدرك كما يدرك كل عاقل أن المصالحة هي الطريق الوحيد لبداية الخلاص ولبناء نظام سياسي فاعل وقادر على استيعاب طاقات الشعب واستكمال عمليتي التحرير والبناء. ولكن إذا ظلت المصالحة معطلة لأعوام قادمة ولم يتم إنجاز غايتها المتمثلة في إدماج الكل الفلسطيني في منظمة التحرير، وإذا تعذر إجراء انتخابات وطنية شاملة سواء للمجلس الوطني أو للمجلس التشريعي، وإذا ما كان ذلك سيتحقق لكنه قد يأخذ سنوات أخرى، ما العمل؟ هل يتعطل كل شيء؟!
هل تذكرون أولى جلسات المصالحة بعيد العدوان الإسرائيلي على غزة في آذار 2009 كيف كنا نعتقد أننا سنصحو من النوم ونجد الانقسام قد مات، ثم أُحبطنا، ثم يوم تم توقيع اتفاق الشاطئ أيضاً نمنا ونحن نغني للانقسام "باي باي"، وبين الحدثين الكثير من الأحلام والخيبات والنكسات.
أظن أن إصلاح ما يمكن إصلاحه أفضل من ترك الأمر على حاله، بمعني يصار إلى تجديد شرعية اللجنة التنفيذية والمجلسين الوطني والمركزي وفق الآليات التي كانت تتم فيها الأمور قبل ذلك، وإذا ما تمت المصالحة الأسبوع القادم وتم الاتفاق على انتخابات أو صيغ توفيقية مع الجميع بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي يصار إلى إلغاء كل شيء.
بمعني أن عقد المجلس الوطني اليوم لا يعني أنه لا يمكن عقده غداً بعد دخول جميع الأطراف إليه، وتشكيل اللجنة التنفيذية اليوم لا يعني أننا لن نستطيع تشكيلها بعد ذلك، بعد تطبيق ما تم الاتفاق عليه في جلسات المصالحة والأوراق المختلفة.
لصيق بذلك، هل يمكن لأحد أن يقول للقارئ ما الجديد في كل هذا النقاش! هل حقاً كانت تعقد جلسات المجلس الوطني بطرق مختلفة، وهل كان يتم إضافة أشخاص للجنة التنفيذية بطريقة غير تلك التي نسمع بها.
أنا لا أعرف على ما خبرت في الحياة أنه يوماً أجريت انتخابات مجلس وطني عامة في الوطن أو في الشتات.
ألم يدخل في السنوات الأخيرة بعض الأعضاء الجدد للجنة التنفيذية منذ قيام السلطة وعودة الرئيس ياسر عرفات بنفس الآلية من زكريا الآغا ورياض الخضري وفيصل الحسيني، وبعد ذلك أحمد قريع وحنان عشراوي وآخرين. ما أقصده أن النقاش المثار خلف عقد المجلس هذه المرة لا يستند إلى الكثير من المنطق.
بالطبع أنا مع عقد جلسة عادية للمجلس ومع ترميم المجلس بشكل صحيح وتمثيل كل القطاعات الحزبية والشعبية والاتحادات فيه وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة تعكس التحول في المجتمع وتحمل تطلعاته، لكن هل ما لا يدرك كله يترك بعضه!
لا بأس يمكن عقد جلسة استثنائية يتم خلالها ضخ دماء جديدة في اللجنة التنفيذية وتبني خطط وبرامج تواكب انسداد الأفق السياسي وتعكس الحاجة للتغير.
انظروا كيف تتم الأمور، لو لم يقم أبو مازن بعقد جلسة للوطني ولو ظلت اللجنة التنفيذية على حالها لقالوا إنه لا يريد أن يجري تغييراً، إنه يمانع التغيير ويعطله.
وفي اللحظة التي يقرر فيها ذلك، بغض النظر عن السياقات وربما الأهداف التي يرميه بها معارضو الجلسة، تجدهم يقفون ضد التغيير.
تخيلوا لو قال أحدهم نريد انتخابات لانتخاب مجلس وطني جديد، بالطبع لن يتم بشكل موحد في غزة والضفة وإذا ما تم في الضفة (وأنا بشكل كامل ضد ذلك) سنصرخ: إنهم يرسخون الانقسام، لا تقسم الخبز ولا تأكل المقسوم كما يمكن ترجمة المثل الشعبي "وكل إلى أن تشبع".
أصحاب مدرسة الأهداف الماورائية والسياقات والملابسات يدركون جيداً أن هجومهم أيضاً ماورائي وأن اعتراضهم على الجلسة أيضاً سياقي، وأظن أن تجربتهم السياسية تخبرهم أن كل فعل سياسي هو نتاج ظرف ما، وهو تراكم لسياقات مختلفة، لا شيء بالطبع يحدث في الفراغ.
عموماً أسهل شيء أن نثير الشكوك حول نوايا الآخرين دون أن نمعن النظر في نوايانا، أولئك الذين لا يبرعون إلا في النظر للنصف الفارغ من الكأس، لو أمعنوا النظر لرأوا النصف المليء حتى لو كان الأمر بحاجة لبحلقة وإمعان نظر.
كل ما يجري نقاش في غير محله، يجب التركيز على النقاش الحقيقي.
ثمة كبشة من الأسئلة المنطقية هنا، هل يعقل أن عضو لجنة تنفيذية كان رئيساً لبلدية؟! هل يعقل أن بعض أعضاء التنفيذية في مواقعهم منذ عقود؟! هل يعقل أن أكثر أعضاء التنفيذية شباب بلغ الستين وأن متوسط أعمارهم 77 عاماً، وأن أصغرهم ولد قبل عقد من تأسيس المنظمة؟! هل تذكرون لحظة كان متوسط أعمارهم لا يتجاوز الخامسة والثلاثين؟ بالطبع نحن بحاجة للجمع بين أعضاء لديهم خبرة وحنكة استمدوها من العمل المتواصل لكننا بحاجة أيضاً لبعض روح الشباب واندفاعتهم.
وعليه، الغريب في كل هذا النقاش أن لا أحد قال لنبحث عن كيفية التأثير في المخرجات وتحويل ما يجري لصالح نباء حقيقي وتطوير فعلي لعمل اللجنة ولطبيعة تركيبتها، مرة أخرى يوم يصار إلى تنفيذ اتفاق المصالحة يتم إلغاء كل شيء، لا بأس.
مثلاً لماذا لا نطور أجندة تطالب بتغيير نوعي في اللجنة التنفيذية، تغيير يضمن مثلاً وجود عناصر شابة سناً وليست شابة بمعني أن تكون جديدة على اللجنة التنفيذية ولكن أعمارها فوق الستين؟ لماذا لا نقول نريد جيل شباب داخل اللجنة؟ شباب قادرون على اكتساب خبرات جيل الآباء وإضفاء بريق عليها.
لماذا لا نطالب بزيادة حصة المرأة في اللجنة التنفيذية، لا يكفي امرأة واحدة ولا اثنتين، على المرأة أن تكون موجودة بقوة إذا أردنا لجنة تمثل قطاعات الشعب ونصفه الحقيقي.
لماذا التنظيمات خاصة في مربع اليسار تتحدث كثيراً عن المساواة وحين يتعلق الأمر بممثليها يصبحون فجأة ذكوراً.
ما المانع أن يتفرغ أعضاء اللجنة التنفيذية للعمل في اللجنة التنفيذية ولا يحملون أية مهام أخرى خاصة حكومية باستثناء الرئيس وموضع رئاسة الوزراء إن حملها أحد أعضاء التنفيذية ولكن لا مهام أخرى سواء وزارية أو غيرها.
السؤال الآخر يتعلق بوجود أعضاء لجنة تنفيذية في الخارج بين أبناء مخيماتنا أو في تجمعات الشتات، بالطبع الوطن جاذب والمتاح منه يصبح مركزاً وهذه سنة الحياة لكن يجب علينا أن نحرص أن لا تصبح أماكن تواجد شعبنا في الخارج بلا قيادات تمثيلية، أنا لا أريد شخصاً فور أن يتم اختياره ينتقل ل رام الله أو غزة، أريده أن يبقى هناك حتى يستطيع أن يتلمس هموم الناس.
نريد لجنة تنفيذية قادرة على أن تكون ممثلة لكل الشعب الفلسطيني وتعكس التحولات التي طرأت عليه وتعكس حكمة شيوخه وروح وحماسة شبابه، فقط إذا تم توجيه النقاش في الجهة الصحيحة يمكن لنا أن نؤثر على المخرجات. وربما تكون هذه فرصة من أجل الضغط على الجميع من أجل تطبيق بنود اتفاقات (عندنا أكثر من اتفاق على ما يبدو) المصالحة خاصة حركتي حماس والجهاد، حتى إذا ما قررتا ذلك يصار إلى وقف كل شيء وتشكيل مجلس وطني وفق تلك الاتفاقيات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية