وأنا على بعد آلاف الأميال من أرض الوطن، وصلتني أنباء العاصفة التي ثارت في اللجنة التنفيذية، والتي أسفرت حتى الآن، عن احتمال دعوة المجلس الوطني للانعقاد بمن حضر، دون التقييد بالنصاب القانوني.
وبوصفي عضواً قديماً من أعضاء المجلس الوطني لأكثر من ثلاثين عاما، فإن مشاركتي في الاجتماع المقبل، ستحددها الاجراءات التي سيتم التقيد بها لعقد المجلس، ذلك أن الاجراءات ليست عملا إداريا، بقدر ما هي من صلب شرعية المجلس وسلامة قراراته، وأعتقد أن كثيرين سيحددون مواقفهم على نفس المقياس.
كان يمكن أن يكون أفضل
كنت وما زلت راغبا في أن يعقد المجلس الوطني في دورة عادية وبنصاب قانوني، وجدول أعمال أوسع من مجرد استبدال أعضاء من اللجنة التنفيذية، ذلك أن المجلس الوطني الذي هو أعلى سلطة فلسطينية تشريعية ورقابية وسياسية، ينبغي أن يعقد لدراسة المأزق السياسي الذي تردت إليه الحركة الوطنية الفلسطينية، وابنتها الشرعية "السلطة الوطنية" ولدراسة أحد الكوارث الفلسطينية الراهنة والمستمرة وهي الانقسام، ولمراجعة البرنامج السياسي، والاتفاقات والتفاهمات التي أبرمت مع الجانب الإسرائيلي، والتي صارت عبئا على المواطن أكثر من كونها ميزة واعدة، ناهيك عن جرائم الاحتلال ضد الأرض والإنسان الفلسطيني، وغيرها وغيرها من الرزايا التي يكتظ بها وطننا، ويعاني منها شعبنا، وتهدد كياننا السياسي من جذوره.
هل كل ما تقدم ثانوي أما ما يُعتبر في الدورة الاستثنائية أساسي؟ وهو تبديل أعضاء اللجنة التنفيذية ؟ إنه مجرد سؤال ربما يُجاب عنه داخل المجلس الوطني أو خارجه.
كان يمكن للوضع الملتبس الآن، أن يعالج بطريقة أفضل وأن يكون أكثر اقناعا للفلسطينيين والعالم، بل وأكثر مصداقية في أداء منظمة التحرير، التي تصدعت والتي سيزداد تصدعها حال عقد اجتماعين طارئين في خمس سنوات، دون عقد اجتماع عادي لفترة أطول بكثير من فترة انعقاد "الطارئين".
إنني أستطيع فهم أسباب مشاركة من سيشارك في المجلس الطارئ، أو الذين يشبهونني على الأقل، فهنالك خوف تلقائي على المنظمة وحرص بديهي على عدم المقاطعة ومحاولة للإفادة من منبر معقول لإبداء الرأي والتعبير عن المواقف، إلا أن كل ذلك على وجاهته ومنطقيته، لا يلغي المخاوف المتنامية على أهم مؤسسة وطنية فلسطينية، خصوصا إذا ما بلغت المقاطعة حدا يثير الشك في قدرة المنظمة على مواصلة تمثيل الشعب الفلسطيني كله، ويجعل منظمة التحرير مجرد طرف في صراع، وليس حكماً ومرجعاً لكل الفلسطينيين بمن في ذلك أولئك الذين يقاطعونها ويضعون شروطاً غير عادلة للانضواء تحت رايتها.
إن الذين سيشاركون إنما يشاركون على مضض، والذين سيقاطعون إنما يقاطعون على مضض، وبوسعنا والحالة هذه أن نتصور المستقبل وأن نخاف منه وعليه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية