أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين الماضي عن تنظيم انتخابات مبكرة في الأول من تشرين الثاني القادم بعد فشل المساعي لتشكيل حكومة وبعد أن شارفت المهلة المحددة قانونياً(45 يوماً) لتكوين الحكومة بعد الانتخابات البرلمانية على الانتهاء. وهذا الإعلان من وجهة نظر المعارضة التركية هو بمثابة «انقلاب مدني» على نتائج الانتخابات البرلمانية، وأن أردوغان أفشل محاولات تشكيل ائتلاف حكومي بصورة متعمدة لأن وجهته منذ البداية نحو انتخابات مبكرة بعد فشل حزبه «العدالة والتنمية» في الحصول على الأغلبية التي تؤمن له تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي بصلاحيات واسعة تضمن لأردوغان حكماً مطلقاً كخليفة أو إمبراطور بعد إجراء تغيير في طابع الدولة التركية من العلمانية إلى الإسلام.

الهزيمة التي مني بها حزب» العدالة والتنمية» في شهر حزيران الماضي والتي أدت إلى فقدانه الأغلبية البرلمانية للمرة الأولى منذ عام 2002 حيث حصل على 258 مقعداً أي 41% من إجمالي المقاعد، بينما كانت المفاجأة حصول حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي المعارض على 80 مقعداً (13%)، وكانت حصة حزب الشعب الجمهوري 132 مقعداً (25%)، هي نتيجة لسياسات الحزب غير الشعبية على أكثر من مستوى وصعيد داخلياً وخارجياً، منها الفساد السياسي والمالي ودعم الحركات الإرهابية في سورية.
المشكلة تكمن في أن حسابات أردوغان كلها كانت خاطئة، فهو توقع أن تنتهي الحرب في سورية بسرعة بسقوط نظام بشار الأسد وحصول تركيا على حصة ونفوذ في شمال سورية سواء من خلال إنشاء حزام أمني خاضع لتركيا على طول حدودها مع سورية وربما التوسع في منطقة حلب، أو من خلال الجماعات الإسلامية المتطرفة التي دعمتها تركيا وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي حظي بخط دعم مفتوح من تركيا للمال والسلاح والرجال. لكن حسابات البيدر لم تطابق حسابات الحقل وتورطت تركيا في حرب كانت نتيجتها تعزز قوة معارضي الحكم الأكراد، فالإنجازات التي حققتها وحدات حماية الشعب المدعومين من البشمركة و مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (بي كي كي) جعلت الأكراد يسيطرون على مساحات واسعة في مناطق شمال شرق سورية إلى درجة إمكانية حصول ربط جغرافي لسيطرة الأكراد على اقليم يمتد من الحدود العراقية- الإيرانية – التركية حتى ساحل البحر المتوسط، أي نشوء الدولة الكردية التي لا بد وأن تشمل أكراد تركية. لهذا السبب سمحت تركيا لقوات التحالف باستخدام قاعدة انجرليك التركية التابعة لحلف الناتو للقيام بغارات على المناطق العراقية والسورية. وبدأت هي حرباً ضد قوات حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق وغلفتها بغارات مزعومة على «داعش» لم تكن تحتل نسبة تذكر من مجمل الغارات التي يقوم بها سلاح الجو التركي والتي استهدفت مواقع ومقاتلي حزب العمال. حتى أن الولايات المتحدة طالبت تركيا بزيادة غاراتها ضد «داعش».
بعض المراقبين يعتقدون أن الحرب على حزب العمال الكردستاني هي وسيلة للضغط على حزب « الشعوب الديمقراطي» الكردستاني المعارض وإضعافه تمهيداً للانتخابات القادمة التي خطط لها أردوغان من لحظة فشله في الانتخابات الأخيرة، لضمان حصول حزب « العدالة والتنمية» على الأغلبية المطلوبة للتحكم في النظام السياسي وتغييره بما يلائم طموح أردوغان. ولكن قد تكون النتائج عكسية في ظل قيام حزب العمال بشن هجمات على قوات الأمن التركية التي فقدت العشرات بين قتيل وجريح في سلسلة العمليات التي نفذها الحزب حتى الآن. وإذا اضطرت تركيا إلى تصعيد غاراتها ضد «داعش» فقد تتحول الأخيرة إلى موقفٍ معادٍ لتركيا وشن هجمات ضدها.
الشعب التركي لا يرى في تورط النظام في الحرب الدائرة في سورية مصلحة تركية والكثيرون ينتقدون خرق الحكومة التركية للاتفاق مع الأكراد وعودتها للمواجهات المسلحة معهم. وهناك خشية من تطور المواجهات مع حزب العمال إلى ما هو أوسع من عمليات محددة ضد قوات الأمن. كما أن هناك تخوفات من الحرب مع «داعش». ولكن الموضوع الاقتصادي هو ما يشغل بال المواطنين أكثر من أي شيء آخر خاصة في ظل الانخفاض المتسارع لقيمة الليرة التركية التي انخفضت مقابل الدولار في بداية عام 2015 إلى 2.34 لكل دولار ووصلت إلى سعر 2.82 هذه الأيام وهي مرشحة للمزيد من الخسارة نتيجة لمواقف وسياسات الحزب الحاكم ورئيسه أردوغان.
استطلاعات الرأي التي أجراها الأسبوع الماضي مركز «جيزيجي» التركي تظهر انخفاض الـتأييد لحزب «العدالة والتنمية» حتى عن النسبة التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة حيث يتوقع حصوله على 39.2% ، في حين أن حزب الشعب الجمهوري سيزيد حصته إلى 26%، وعلى ما يبدو أن الحرب على الأكراد أدت إلى ازدياد التأييد لحزب «الشعوب الديمقراطي» الذي سيحصد 14% من أصوات الناخبين. وحتى موعد الانتخابات القادمة التي من المرجح أن تجري في بداية شهر تشرين الثاني القادم من المحتمل أن تجري تطورات إضافية ليست في صالح أردوغان الذي بات يشعر أن الدور الإيراني القادم سيكون أهم من دور تركيا في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني مع الدول العظمى، بالإضافة إلى تراجع دور حلفاء تركيا: حركة «الإخوان المسلمين» وقطر. كما أن صمود النظام السوري وإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية كلها عوامل تلعب ضد الطموح الإمبراطوري لأردوغان، وقد يخسر هو وحزبه الانتخابات القادمة ويدفع ثمن أخطائه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد