من هم دروز سوريا؟

من هم دروز سوريا؟

من هم دروز سوريا؟ ، على سفوح جبل العرب جنوب سوريا، وفي القرى والبلدات المتناثرة بين السويداء وريف دمشق والقنيطرة، يعيش مكوّن اجتماعي وديني عريق يعرف بـ الدروز. ورغم قلة عددهم نسبيًا، إلا أن حضورهم التاريخي والسياسي والاقتصادي ظل واضحًا في المشهد السوري لقرون. فمن هم الدروز، وما هي أبرز ملامح حياتهم وهويتهم في سوريا؟

جذور تاريخية قديمة لـ دروز سوريا

يُعتبر الدروز طائفة دينية توحيدية انبثقت في القرن الحادي عشر الميلادي من رحم المذهب الإسماعيلي الفاطمي في مصر، ثم استقر أتباعها في بلاد الشام، وتحديدًا في جبال حوران ووادي التيم وجبل لبنان. في سوريا، ارتبط اسمهم خصوصًا بجبل الدروز أو جبل العرب، الذي أصبح منذ القرن التاسع عشر ملاذًا آمنًا لهم.

يُقدّر عدد الدروز في سوريا اليوم بما يتراوح بين 600 و700 ألف نسمة، أي أقل من 3% من السكان. تتركز غالبيتهم في محافظة السويداء، مع وجود تجمعات أصغر في ريف دمشق (جبل الشيخ) ومحافظة القنيطرة قرب الجولان المحتل.

عقيدة مغلقة وهوية متماسكة

الديانة الدرزية تقوم على التوحيد والإيمان بوحدانية الله وتنقية النفس، لكنها تتسم بالسرية في تفاصيل تعاليمها. لا يبوح الدروز بمعتقداتهم العميقة لغير أبناء الطائفة، بل وحتى لأبناء الطائفة أنفسهم قبل بلوغهم مرحلة النضج الديني. هذا الطابع المغلق ساهم في الحفاظ على هوية الطائفة على مدى القرون.

يُعرف رجال الدين بينهم بـ العُقّال، الذين يلتزمون بتعاليم صارمة ويمثلون المرجعية الروحية. أما عامة الناس فيُطلق عليهم **الجهّال**، وهم غير الملتزمين بالتعاليم الباطنية.

دور تاريخي في سوريا

لم يكن حضور الدروز مقتصرًا على الجانب الديني، بل لعبوا أدوارًا محورية في التاريخ السوري. ففي العهد العثماني تمتع جبل الدروز بشبه حكم ذاتي، ثم كان للدروز إسهام بارز في الثورة السورية الكبرى (1925 – 1927) ضد الاحتلال الفرنسي بقيادة الزعيم الدرزي الشهير **سلطان باشا الأطرش**، الذي أصبح رمزًا وطنيًا لكل السوريين.

ومع تأسيس الدولة السورية الحديثة، حافظ الدروز على حضور سياسي واجتماعي، لكنهم اختاروا غالبًا سياسة الحياد والابتعاد عن الصراعات الداخلية العنيفة.

المجتمع اليوم

في الوقت الراهن، يعيش الدروز في سوريا مرحلة معقدة بسبب الحرب المستمرة منذ عام 2011. ورغم محاولاتهم النأي بالنفس عن النزاع، تأثرت مناطقهم بالوضع الاقتصادي والأمني، خاصة محافظة السويداء التي شهدت بين حين وآخر احتجاجات مطلبية سلمية.

يتميز المجتمع الدرزي بتمسكه بالعادات والتقاليد، مثل الكرم، وإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية الخاصة بهم، وحفظ الأنساب، إضافة إلى اعتمادهم على الزراعة والتجارة في معيشتهم.

نسيج وطني متكامل

يؤكد الكثير من الباحثين أن خصوصية الدروز الدينية لا تعني انعزالهم عن المجتمع السوري الأوسع. فهم جزء من النسيج الوطني المتنوع الذي يضم مسلمين سنة وعلويين ومسيحيين وإسماعيليين وغيرهم. هذا التنوع شكّل تاريخ سوريا الثقافي والاجتماعي، وما زال يشكل مصدر غناها رغم التحديات الراهنة.

يبقى الدروز في سوريا طائفة صغيرة عددًا لكنها كبيرة الأثر، تروي حكاية قرون من التفاعل مع المكان والزمان، حافظت خلالها على خصوصيتها الدينية وهويتها الاجتماعية، وفي الوقت ذاته ساهمت في صياغة تاريخ البلاد وبناء مستقبلها المشترك.

المصدر : وكالة سوا

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد