رغم أن فرع حركة الإخوان المسلمين في فلسطين، أي حركة حماس ، وصلت إلى الحكم والسلطة، قبل وصول حركة الإخوان المسلمين في مصر، ورغم أن حركة الإخوان المصريين هي الأصل، فيما تنظيم الإخوان في فلسطين، خاصة في غزة ، هو الفرع، بل ورغم أن إخوان مصر قد ظفروا بكل أركان نظام الحكم، أي منصب رئيس الجمهورية، كذلك الأغلبية البرلمانية، إلا أنهم لم يحتفظوا بالحكم سوى عامٍ واحدٍ، فيما لا يزال حكم حماس لغزة قائماً، منذ أكثر من ثماني سنوات.
في مقاربة الإجابة على هذه المفارقة، تبدو هناك الكثير من التفاصيل، منها ما هو خارجي، ومنها ما هو داخلي، والخارجي بالطبع له علاقة بإسرائيل قبل كل شيء، أو قبل أي شيء آخر، فإسرائيل ثابرت منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، على بث الفرقة في الداخل الفلسطيني، وشجعت على ظهور أولي الخلايا الإخوانية ببرامج سلفية، في مواجهة «علمانية م ت ف»، وانسحبت من جانب واحد من غزة عام 2005، وهي تعلم ما تركت وراءها، ثم أصرت مع الولايات المتحدة على إجراء انتخابات 2006 وهي تعرف ما ستسفر عنه الانتخابات، ثم شجعت انقلاب حماس ومن ثم الانقسام السياسي والجغرافي بين الفلسطينيين، ورعته طوال الوقت، لتحقيق مصالحها هي، وليس حرصاً على أحد، حتى لو كان عميلاً مفضوحاً لها!
أما فيما يخص الأسباب أو العوامل الداخلية، فإنه لا بد من القول أولاً وقبل كل شيء، بأنه ليس صحيحاً ولا مجدياً، بأي شكل من الأشكال، الدفاع عن الفساد أو مواجهة منطق الحياة، بإغلاق المنافذ أمام التجديد والتطور، وحاجة البشر إلى التغيير، فليس صحيحاً بالمطلق أنه بسبب الخوف من وصول الإخوان أو جماعات الإسلام السياسي السلفية إلى الحكم، العمل على الإبقاء على أو الدفاع عن نظام حكم الفرد، المترهل والفاسد والبيروقراطي، ولو أن الجيش المصري _ بشكل خاص، أو حتى على سبيل المثال _ وقف في طريق الشعب المصري ورغبته في إسقاط حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لفقد ثقة المصريين، ولفشل أيضاً في منع الشعب المصري من إحداث التغيير.
وأكثر من ذلك، لو أنه أبقى على الطاقم الشائخ أو القديم من قادة العسكر _ المشير محمد حسين طنطاوي وسامي عنان _ لما استطاع لاحقاً أن يقف في وجه الإخوان، وأن ينحاز للشعب.
فَمِمّا لا شك فيه أن التجديد الذي جرى في عروق قيادة الجيش بتولي «الشاب» عبد الفتاح السيسي، قيادة الجيش، بقرار من الرئيس الإخواني _ وهذه كانت مفارقة _ كان ذلك واحداً من عوامل النجاح في إسقاط حكم الإخوان بعد مضي عام واحد فقط على وصولهم للحكم.
صحيح أن وصول حماس للحكم في فلسطين، كان منقوصاً، وتمثل ذلك بالسيطرة على الأغلبية البرلمانية، فقط، فيما كان رئيس السلطة فتحاوياً، والسلطة تتبع نظام حكم رئاسياً، كما هو حال كل الأنظمة العربية، وربما كان هذا الوضع، هو الأمثل بالنسبة لإسرائيل، أي أن تكون هناك «ثنائية متنافرة» في رأس الحكم، حتى يحدث التنافر والتعطيل، والفشل، الذي أفضى للانقلاب ومن ثم للانقسام أو الانفصال، والمهم هو ما حدث بعد ذلك.
فرغم أن الشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، أبدى وعياً مبكراً، ويقظة سريعة، وأظهر ضيقه ورفضه لحكم حماس وكذلك للجوئها للقوة العسكرية لفض «الاشتباك السياسي» مع فتح، فخرج بعد بضعة أشهر، وبالتحديد بعد خمسة أشهر، في ذكرى رحيل ياسر عرفات، عن بكرة أبيه، إلا أنه عجز حتى اللحظة، ليس فقط في إسقاط حكم حماس، رغم أنها أظهرت ضعفاً في أكثر من مناسبة خلال السنوات السابقة، ولكن أيضاً في وضع حد للانقسام، الذي كان من الواضح أنه المدخل الرئيسي لإسقاط حكم حماس، أو على الأقل لإسقاط نظام الشراكة الفاشل.
والسبب الرئيسي في ذلك يعود_ برأينا _ إلى أنه اعتمد على نفس الأدوات القديمة في ذلك، بحيث ظهر أن التغيير يعني العودة للماضي، أي العودة لحكم فتح وقياداتها القديمة، حيث أن فتح ذاتها لم تستفد من الدرس، ولم تقم بالتجديد في صفوفها، رغم أن محطة المؤتمر السادس الذي عقد عام 2008 وحدت الحركة وبثت في عروقها دماء جديدة، لكن ذلك كان في صفوف الحركة ككل، وخاصة في صفوف تنظيمها بالضفة الغربية، وليس في غزة.
والأهم أنه لم يتم التجديد، حتى اللحظة، في صفوف ولا في برنامج م ت ف، التي تعتبر الحركة السياسية الأم، والإطار الأشمل للقيادة الفلسطينية، التي عجزت بدورها عن وضع حد لانقسام أضعف قدرة الفلسطينيين كثيراً على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بصفوف فلسطينية منقسمة.
حتى لو كان الوضع الفلسطيني الداخلي طبيعياً، أي أنه لا يشهد حالة انقسام، ولا يواجه احتلالاً بغيضاً، فإن منطق الحياة يقول بضرورة تجديد وتطوير الإطار السياسي والبرنامجي لقيادة تستمر في قيادة الشعب منذ نحو خمسة عقود، حتى بلغت أعمار قيادة الصف الأول فيها من السنين عتياً!
هل يعقل استمرار وجود مجلس وطني غير منتخب، لم يعقد اجتماعاً له منذ عشرين عاماً، ومجلس تشريعي ورئيس منتخبين منذ عشرة أعوام، يثقلون كاهل الشعب الفلسطيني، بقيادات وبرامج شائخة، ولا يبدون أدنى استجابة لمنطق الحياة بالتجديد، لدرجة أن يضطر الرئيس نفسه لتقديم استقالته شخصياً لإجبارهم على ذلك؟!
وهل يمكن لعقل أن يظن للحظة بأنه يمكن لشعب مثقل كاهله بهذا «الإرث» أن يجد طريقه للتوحد والحرية دون إحداث التغيير الضروري في صفوف قيادته الآن واليوم قبل الغد؟ وهل يمكن الدفاع عن نظام حكم أو قيادة، دون إجراء الانتخابات الدورية في موعدها، وذلك أضعف الإيمان السياسي؟!
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية