بينما كنت أقرأ تبرير بلدية غزة لحادثة الشاب محمد أبو عاصي صاحب بسطة البحر الذي أقدم على الانتحار احتجاجا على إجراءات البلدية بحقه إستوقفتني فقرة "الفوضى والعشوائية" من جملة التبريرات التي ساقتها البلدية. ودفعتني للبحث والتنقيب في جمال ونظام ورتابة مدينة غزة التي تحولت إلى سجن كبير يشيخ شبابها قبل أوانهم.

أنا لا أعرف كيف تستطيع البلدية الحديث عن النظام في بلد تمتهن الفوضى والعشوائية وتستطيع أن تسمع من سائق تاكسي قصصاً لا نهاية لها عن مدينة تئن تحت حصارٍ ضربها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسلوكياً ..إلخ منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، وشوه كل جميل فيها وتركها عرضة لتسلط الأقوياء وأصحاب النفوذ وغيرهم.
ولو تمكنت المرور على الشاطئ من شماله إلى جنوبه لتعرف قليلاً عن المنتجعات والمقاهي والمواقع الخاصة لن تصدق ما تسمعه وما تشاهده من سيطرة على الأراضي وتحويل جزء منها لمواقع خاصة لجهات خاصة ومنتجعات تتمدد كالسرطان لأنها مشروع جباية وفي حماية فلان أو علان.
أبو عاصي مثل أي شاب غزي ضاق به الحال ولم يجد عمل يعتاش منه هو وأسرته إلا من خلال بسطة صغيرة توفر خدمات للمصطفين على بحر غزة. والبلدية كمن "ذهب ليبحث عن إبرة في كومة قش" فالجميع يعرف أن شارع البحر "الرشيد" يكون في المساء أشبه بيوم الحشر آلاف الغزيين ينتشرون على الشاطئ وعلى شارع الرشيد في المنتجعات والمقاهي التي تحتل المنطقة هرباً من حرارة الصيف وانقطاع التيار الكهربائي الذي حول منازلهم كالقبور المعتمة.
ويحق لنا أن نتساءل هنا اذا كان أبو عاصي يؤذي شكل المدينة وجمالها فمال البلدية في انتشار يومي صباحاً ومساءً لحُصُن في شارع الصناعة من شماله حتى جنوبه تأكل الأخضر واليابس دون حسيب أورقيب وتقطع الشارع كيفما تشاء دون شرطي مرور ينظم مسيرتها.
ناهيك عن حوادث الطرق التي اشتكى منها الكثير من السائقين الذين تعطلت سياراتهم مراراً وارتطامهم بأرصفة الطريق أو المنازل المجاورة خوفاً من إصابة هذه الحُصُن.
لن نتحدث عن مخلفات هذه الحُصُن خوفاً من أن تخرج علينا البلدية ببيان يؤكد بأن هذا يسهم في تسميد الأشجار وسرعة نموها.
يا سيادة البلدية هل حظيت هذه الحُصُن بالتراخيص اللازمة لتمكنها من التنقل بهذه الأريحية في ممرات المركبات تارة وأرصفة المشاة تارة أخرى، وتشوه جمال الشارع والمدينة والطبيعة باعتدائها على الأشجار.
قبل أن تبرر البلدية هذا السلوك وتنفي علمها أؤكد لكم بأن هذه الحُصُن تنتشر بشكل يومي منذ ما يزيد عن ست أعوام من أمام المقر الرئيسي للوكالة حتى آخر شارع الصناعة شمالاً، وسيارات البلدية تمر من هناك يومياً وتراها وتعرف كل ما كتبت وأكثر ولكنها لم تحرك ساكناً.
أحد السائقين قال لي قبل أكثر من عام وقد دفع أكثر من ألف دولار لتصليح سيارته بعد أن ارتطم بحصان كبير الحجم قطع الشارع فجأة بأن البلدية لا تلاحقهم لأن ملاحقتهم مكلف مالياً وبشرياً وبحاجة إلى مكان لمصادرة هذه الأحصنة ناهيك عن توفير احتياجاتها من الطعام والشراب والعلاج وهي في غني عن الصدام مع أصحابها لأنهم أقوياء الشكيمة!!.

شارع الصناعة مثالاً لمئات الظواهر التي بحاجة إلى علاج ومتابعة أهم من بسطة أبو عاصي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد