السولار الصناعي... بابٌ مفتوح على الموت

السولار الصناعي

بين ركام المنازل المدمرة، ومع اقتراب الساعة من السابعة صباحًا، يبدأ الحاج خليل عكيلة يومه كل صباح، برفقة طفله يزن البالغ من العمر اثني عشر عامًا، في النبش بين أكوام الحجارة بحثًا عن قطع البلاستيك، وجمعها داخل كيس أبيض اللون يحمله الحاج خليل على ظهره المنحني.

يُكنى عكيلة بـ "أبو محمد"، ويبلغ من العمر سبعين عامًا، وله خمسة أبناء. كان يعمل آذنًا في مدرسة تابعة لوكالة الغوث ضمن عقد بطالة، إلا أن عقده توقف بسبب الحرب على غزة .

تفصل مسافة طويلة "أبو محمد" عن المكان الذي يُعاد فيه تدوير البلاستيك وتحويله إلى سولار صناعي، وهو يقع بالقرب من شاطئ بحر غزة، بعيدًا عن السكان، خوفًا من التلوث.

وأخيرًا، وبعد عناء الطريق، وصل أبو محمد إلى وجهته برفقة كيسه الأبيض الممتلئ بقطع البلاستيك، فوضعه على ميزان صاحب المحطة المختصة بإعادة التدوير، ليحصل مقابلها على خمسين شيكلًا.

jFK3q.jpg
 

يمسك أبو محمد بيد ابنه محمد اليسرى، بينما يمسك بيده اليمنى ورقة الخمسين شيكلًا، ويقربها من فمه ليقبلها حامدًا ربه على ما رزقه، آملاً أن يتمكن من شراء كيلو طحين بالكاد يكفي لإطعام عائلته.

"هات يا أحمد حبات البلاستيك نحطها داخل الصهريج بسرعة، يلا!"... كان هذا حديثًا دار بين أحمد كلاب، صاحب المصنع، وصديقه محمود الذي يعمل معه في صناعة السولار الصناعي.

يقول كلاب عن مخاطر المهنة التي تواجههم: "في الماضي، وقبل الحرب، كان سعر لتر السولار المستورد حوالي 8 شواكل، أما اليوم فيبلغ سعره 90 شيكلًا. أما السولار الصناعي، فسعره مرتبط بحالة المعبر؛ فإذا كان مفتوحًا يكون رخيصًا ويصل إلى 20 شيكلًا للتر، وإذا كان مغلقًا، فقد يصل إلى 50 شيكلًا".

وأشار كلاب إلى أنه يعمل في هذه المهنة منذ إغلاق المعابر وانقطاع السولار عن قطاع غزة، ما اضطر الناس للجوء إلى السولار الصناعي. ولفت إلى أنهم لا يصنعون السولار فقط، بل يُنتج لديهم البنزين أولًا، حيث يقومون بفحصه قبل استخدامه.

في تلك المنشأة، يغيب الأمان كليًا؛ لا معدات وقاية، ولا أنظمة سلامة، ولا ملابس مناسبة. محمد كلاب، أحد العاملين، يتعامل مع حرارة عالية وغازات سامة بيدين عاريتين. يوضح: "نستخلص البنزين أولًا، ثم ننتقل لصناعة السولار". وبينما يتحدث، يختنق الجو بدخان أسود خانق يملأ الرئتين ويُبعد المارّين.

وبعد ساعة من الزمن، انبعث الدخان الأسود من أرجاء المكان، وبدأ الشاب كلاب بالسعال وفرك عينيه نتيجة الانبعاثات، حتى غطى السواد وجهه الذي كان أبيض اللون.

إلى جانب كلاب، يقف محمود حاملًا قالونًا أصفر اللون، استعدادًا لتقديمه لأصحاب المركبات. وبينما كنا نتحدث، قاطعنا أحد الأشخاص طالبًا تعبئة القالون، بعد أن تعطلت مركبته في طريقه إلى جنوب قطاع غزة، إذ نفد منه السولار، وكان برفقته أحد الركاب.

يقول السائق أحمد: "ليس لدي خيار آخر سوى تعبئة السولار الصناعي لمركبتي، على الرغم من معرفتي بأنه يضر بماتور السيارة، ولكن لا يوجد بديل في ظل إغلاق المعابر بسبب الحرب".

وأشار إلى أن سعر السولار المستورد، إن وجد، فهو مرتفع جدًا، ولا يستطيع تعبئته لمركبته، خاصة أن الركاب غير قادرين على دفع مبالغ إضافية على الأجرة المعتادة.

وفي الحديث عن أضرار صناعة السولار الصناعي، يقول د. أيمن ياغي، أخصائي الأمراض الصدرية، بعد فحص أحد مرضاه:

"العمل في هذه المهنة خطير وله تداعيات مستقبلية، كالإصابة بالسرطان والذبحات الصدرية، في ظل انعدام أدوات السلامة والرقابة الصحية".

ويبقى السؤال الأهم: متى ستنتهي هذه الظاهرة الخطيرة التي تقتل العاملين بها ببطء

ملاحظة : هذا النص مخرج تدريبي لدورة الكتابة الإبداعية للمنصات الرقمية ضمن مشروع " تدريب الصحفيين للعام 2025" المنفذ من بيت الصحافة والممول من منظمة اليونسكو.

المصدر : وكالة سوا - نسرين ياغي

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد