كل ما يدور في الاعلام حول الهدنة ومسودة الاتفاق ومطالب مشعل ل غزة ولاءات يعلون بالتزامن مع أزمة الأونروا قد يكون بالونات اختبار وعملية تحضير متعمد للتغيير القادم سواء بخصوص وضع قطاع غزة أو مستقبل خدمات الأونروا، في كل ما جرى تم كاسر طابو محرمات أصبحت من الماضي بعد أن تم ترويض الجميع بالإنهاك أو التدجين في متاهة القضية الفلسطينية بين الأولويات الرئيسة والتسويات في قضايا ثانوية تم تضخيمها وتصديرها كمطلب عاجل وهام للجميع.
الوضع النهائي في غزة
ليس من باب الصدفة أن نتحدث عن "الوضع النهائي" - المصطلح الذي استخدمته دراسات اسرائيلية بكثرة بعد العدوان الاخير- لأزمات غزة الوجودية من مدخل تقرير الأمم المتحدة أن قطاع غزة سيكون غير قابل للحياة عام 2020، وهو تقرير حساس وخطير، أعتقد أن أغلب المسؤولين لم يقرئوه والا أصابهم الخوف على مستقبل أحفادهم.
الحصار والحروب الثلاثة تهدف ضمن خطة واضحة لمن كان بصير الى خلق واقع محدد في القطاع استكمالا لخطوة الانسحاب عام 2005، فماذا تريد اسرائيل من قطاع غزة:
1- بقعة جغرافية منفصلة عن السياق الفلسطيني جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وهذا ما تم عبر جعل الوصول الى الضفة أمر نخبوي كزيارة دولة شقيقة عمليا، وسياسيا لدينا حكومتين ومركزي قرار منفصلين، واقتصاديا جرفت اسرائيل معبر كارني، وعدد الشاحنات ذهاب إياب من غزة لإسرائيل أضعاف عددها للضفة، واجتماعيا ارتباطات صلة الرحم بعد 15 عام من الفصل أصبحت حدث نادر في حدها الادنى، ونفسيا يقال كلام كثير لمن يتجول في عالم مواقع التواصل الاجتماعي.
2- منطقة منزوعة السلاح وهذا ما عرضه بوضوح وزير الخارجية الألماني من غزة، الأمن مقابل التنمية وعدم القبول باستمرار غزة كمنصة صاروخية، ومن يعتقد أن اسرائيل تنازلت عن مطلب نزع السلاح فهو واهم بعد نزع سلاح العراق وسوريا وليبيا وأخير ايران طبعا مع الفارق، فلا مجال سوى للقبول بالجزرة الاسرائيلية والعصا لمن لم يجد له راعي اقليمي، اذن لماذا يبقى السلاح في غزة؟
الوقت الحالي فلسطينيا واقليميا لم ينضج للحديث عن الوضع النهائي في قطاع غزة وان كانت مخططات تحويله لبقعة قابلة للحياة بعد 2020 متعددة وجرى رسمها، وكل ما يجري تحضير طويل المدى والنفس حتى تصبح غزة مثل جنوب السودان رويدا رويدا مع بعض التحسينات الحياتية، فالقوة العسكرية الأكبر على الأرض الفلسطينية في تاريخ الصراع الفلسطيني– الاسرائيلي تتحدث عن ميناء برقابة اسرائيلية – دولية كسقف وطني كبير، ولنتسأل كيف سيكون الحال بعد الحرب الرابعة؟ أو تفكيك - تحلل السلطة في الضفة؟، من سيمول السلطة الجديدة في غزة؟ ومقابل ماذا؟ أسئلة جدلية لمن يعتقد أن الفلسطينيين سيحصلون على دولتهم فيما تشطب دول من الخارطة كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، كما أن وسائل التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات وغيرها غيرت مفاهيم الجغرافيا التقليدية.
أونروا لا تملك قرارها ومالها
الضجيج الكبير حول 101 مليون دولار، والتحذير الخطير من توقف التعليم في المدارس الزرقاء، في المناطق الخمس هو تمرين ضخم ومناورة استراتيجية للأزمة الحقيقية العام القادم، لأن المطلوب تحويل اللاجئين الى مواطنين تحت سقف الدول العربية الجديدة بعد استقرار فوضى الشرق الأوسط وتبني الحل الاقليمي أو الحل الأممي الذي سيصبح حتمية لتسوية شاملة يقودها الروس والأمريكان في دول الطوق الملتهبة، مع العلم أن الدول الباردة شمال أوروبا حصلت على حصتها من الفلسطينيين في ضوء تقديرات تكشف عن انتقال 150 لاجئ فلسطيني من سوريا ولبنان إلى دول القطب الشمالي.
ومخطئ من يعتقد أن "أونروا" أكبر من أداة لتنفيذ وتمرير قرارات دولية يفرضها الأقوياء ويقبلها الضعفاء.
الواضح من لامبالاة المانحين الدوليين تجاه اعمار غزة أن العالم لن يمول خطط مؤقتة لتسير أزمات بقدر رغبته في تمويل حلول استقرار – نسبي- على غرار التجربة الايرانية- الغربية التي ستصبح نموذج للتسويات بين الأقوياء والاذكياء والضعفاء تروضهم داعش.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية