من الطبيعي أن تقف الشعوب الحرة والشخصيات المتشبعة بالإنسانية مع المجتمعات التي تواجه ظلم المستعمر وبطشه اليومي، وقد جرت العادة أن يتلقى الشعب الفلسطيني المعونات منذ نكبته في العام 1948، ومنذ تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، كما درجت بعض القوى الداعمة للكفاح الوطني على تقديم أشكال من الدعم بين الفينة والأخرى، منها ما هو خاص بالعملية الكفاحية ومنها ما يتعلق بصيرورة الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني، فكانت "بطاقة التموين" بديلة عن "بطاقة الصراف الآلي" التي يستخدمها الموظفون الحكوميون اليوم، يتوفر منها اللاجئ المعدم على كل احتياجات منزله الشهرية، وهو فاتورة ينبغي على المجتمع الدولي أن يدفعها نظير حرمان هذا اللاجئ من حقه في العودة إلى أرض وطنه.
مع تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وانطلاق فصائل المقاومة الفلسطينية خارج فلسطين، بدأت مسيرة دعم أخرى لصمود الشعب الفلسطيني، وجابهت منظمة التحرير كل تعسف إسرائيلي وكل بطش بحق الإنسان الفلسطيني بأشكال من دعم صمود وصبر هذا الإنسان، وأنشأت مكاتب مخصصة لهذا الغرض في الخارج ومؤسسات وجمعيات تؤدي ذات الغرض في الداخل الفلسطيني، ومع تأسيس السلطة الوطنية على الأرض الفلسطينية أخذ هذا الدعم أشكالاً متعددة، سواء من مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى أو هيئة شؤون الأسرى أو وزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها من المؤسسات الحكومية، ودخلت على الخط منظمات إنسانية محلية وعربية ودولية، كلها تؤدي ذات الغرض، ومع دخول شعبنا على خط المواجهة مع الاحتلال في الحروب المختلفة التي شنها ضد قطاع غزة في السنوات الأخيرة، وقبلها فرصه لحصار مطبق على كل أشكال الحياة في القطاع الصامد، دأبت منظمات وهيئات إنسانية أخرى على تقديم أشكال من المعونة خلال الأزمات وبعدها.
الغريب في الحالة الفلسطينية أن عدد الهيئات والمنظمات والمؤسسات والشخصيات التي تقدم الدعم في ازدياد مستمر، ومجموع ما تقدمه يتضاعف من عام إلى آخر، والتقارير تشهد، وبرغم الزيادة الطبيعية لعدد المعوزين بسبب انهيار الاقتصاد الوطني وغياب البنى التحتية والافتقار إلى الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، إلا أن عدد المحاجين يزداد بالتوازي التام مع ازدياد هذه المعونات، ومهما تضاعف عدد الهيئات الداعمة ومهما تضاعفت إمكاناتها للعمل في فلسطين، يظل المحتاج محتاجاً، والسبب في ذلك أن هناك "منظومة فساد" متكاملة تغطي هذا الجانب على كل المستويات، بدءاً بالمؤسسات المانحة مروراً بالقائمين على العمل وطنياً والمشتغلين في إعداد كشوفات المحتاجين وصولاً إلى الموردين والموزعين، وهؤلاء باتوا اليوم بمخالب وأنياب، وما أن تسمع عن مناقصة لتقديم دعماً ما لهؤلاء المعدمين حتى يتطاول لها أصحاب الكروش الكبيرة، وتبدأ المخازن بتفريغ محتوياتها من البضائع منتهية الصلاحية ومنعدمة الاستهلاك، بغطاء لا يمكن الشك في فساده من قبل جهات أرادت لهؤلاء أن يكبروا، وأن يعمموا تجربة "الكوبونة" على أوسع نطاق ممكن، لدرجة أن صاحب المهنة الحرفية وصاحب الصنعة اليدوية يتكاسل أحياناً عن أداء عمله مقابل الانتظار لساعات طويلة من أجل الحصول على طرد غذائي بربع قيمة أجره اليومي لو كان في عمله.
من أراد لنا أن نكون متواكلين ومعتمدين على مساعدة الغير ومتكئين على أكتاف غيرنا، هو بالضبط من يريد لنا أن نصل إلى مرحلة من الانهزام الكامل أمام كل مبادرة من شأنها أن تحرك المياه الراكدة في قطاعنا وفي وطننا برمته، فحال الضفة ليس أفضل بكثير من حال غزة في هذا الجانب، والحديث هنا يطول، لكن المحصلة فيه أن مسار كي الوعي الوطني رهين بأشكال من التنفيس الكفاحي باتجاه حالات شقاء وتعب وكد من أجل الحصول على لقمة عيش مجانية، وبعدها يصبح الوعي الوطني والرغبة في مواجهة المحتل مجرد حلم لا يتجاوز حدود تغريدة على شبكات التواصل الاجتماعي وللحديث بقية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية