علّمنا دروسنا يا «محمد علان»، علِّمنا كيف عزمت وتوكلت وسخّرت الوهن واتخذت القرار، علمنا كيف بيَّتَّ أمراً خطيراً بانسياب وطمأنينة، علمنا كيف سجَّلت الانتصار في شِباك الاحتلال، وعن متطلبات تحقيق الانتصار خلف القضبان، خبِّرنا ظروف إضافتك النوعية على كرامة الأسير وتراث الجوع، لا الركوع؛ عن علامتك المسجلة في مآثر نضال الأمعاء الخاوية، وعلى إعادة تعريف المعاني والمصطلحات، وكيف خلَّصت الجوع من تهمة الكفر!
علّمنا يا أستاذ «علان» عن تسجيل نموذجك في المقاومة الفردية الحرة وكسْر حلقة من قانون الاعتقال الإداري، وعن رفضك تشريع تحويل غزة إلى منفى للفلسطينيين.
حدثنا عن إضافاتك الخاصة على نظرية فردية واضحة المعالم، يوماً بيوم وساعة بساعة، خصوصية إيمان الفرد بذاته وقضيته وانعكاسهما على صنع المعجزة، علّمنا كيف يخوض المحامي الفلسطيني معارك الدفاع والهجوم، وعن مرافعته في ساحة المنازلة التاريخية؛ بين المظلوم والظالم، الضحية والجناة.
علّمنا كيف يتجاوز الأسير بؤس القيادة، فيحصل على شرعية الشارع دون انتخابات أثبتت فشلها التاريخي في منح الشرعية.
علمنا يا أستاذ محمد كيف أصبحت قائداً ملهماً لا يكترث بلعبة الكراسي الفارغة، ولا يلتفت إلى الأوسمة العاجية والاعتبارية، عن يوميات الإمساك بناصية المشهد، ببساطة المناضل لا حرفية الانتهازي، بلغنا آليات القبض على كافة التفاصيل والشوارد بكلتا يديك.
علِّمنا يا محمد علان عن الروح المعنوية التي دخلت بها المعركة، كيف حزمت أمرك وجهزت ملفك كاملاً دون نقصان وتفاوض بإرادة حرة، مستغنياً عن طواقم الباحثين والمختصين والخبراء والأجهزة المحمولة.
علِّمنا كيف أمسكت بالخط الرئيسي، برفق وحب، وتفرغت إلى تفكيك زرد السلاسل حلقة إثر حلقة، فتنتزع مسمى صاحب القضية من المتشدقين الذين يملؤون الدنيا صراخاً وضياعاً.
علِّمنا يا محمد علان، علِّم قيادتنا الدروس المنسية، عن الفرق بين إشارة النصر الحقيقي عن كرنفال الإشارات الوهمية، عن الفرق في الرواية؛ بين الأبطال الحقيقيين وبين الأبطال الوهميين.
علّم القيادات يا «علان»، علم التفاضل والتكامل، مفاهيم الترابط والتعاكس دون شروخ وانقسامات تبعدنا عن أصحاب القضية وتفقدنا موارده الغنية. علِّمهم كيف يستبعد المحامي المزاول لمهنته الخيارات المغلقة، ويتشبث بالعيش حتى آخر نبضة في عروقه ويقاوم.
لقد لقنت الاحتلال درساً قاسياً في القانون وحدود التغول، يقرب انتصار معركة إلغاء الاعتقال الإداري.
لقد وضعت نصاً استكمالياً للنصوص التي وضعها الشيخ خضر عدنان والجنرال سامر العيساوي.
لقد وضعتم دوائر فارقة حول تفكيك أسطورة الاعتقال الإداري، وخطوطاً داكنة على مسيرة النضال الفلسطيني في الزمن الصعب، ونثرتم بصمة خالصة من كل شائبة طحلبية، بينما غيركم غارق في المعارك الوهمية ووحل التجزئة.
يا محمد، علمتنا الدروس في أكثر الأوقات صعوبة، حيث الوقت يغادرنا، ويأخذنا إلى مجاهيل انتحارية تحت عناوين مختلفة.
لقد أنقذتم بعضاً من سمات المرحلة، قد يتعلم القادة بعض من الدروس، الكفّ عن الاحتراب الداخلي، والمضي قدماً نحو صياغة علاقات القوة بين الاحتلال والشعب، أو نبقى ماضين في الانحراف عن القضية الرئيسية، ننجر بكل طاقتنا نحو أكل بعضنا البعض.. سادرون في لعبة عبثية لا طائل خلفها أو نتيجة، والاحتلال سادر في عدوانيته، في بيئة فلسطينية تتصف بالسيولة على جميع الصعد.
في هذا الواقع؛ لن نكسب سوى تآكل أرصدتنا الإستراتيجية، وزرع الأسافين والحواجز والمتاريس بين رفاق النضال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية