كاتب اسرائيلي:على الرئيس عباس أن ينسى غزة
القدس / سوا / مقالات هذا الكاتب تمتاز عادة بالتبرير لسياسات اسرائيل، واستخدام السفسطائية واللف والدوران في سبيل ذلك، وهو في مقاله هذا لم يشط عن هذا الأسلوب، غير أنه استخدم في تبريره لسياسة اسرائيل هذه المرة فلسفة احتلالية قديمة جديدة "فرق تسد"، ويبدو لشديد الأسف ان الواقع الفلسطيني بصورته الحالية يشكل مزرعة خصبة التربة لاتباع هذه السياسة وتنفيذها بكل يسر وأريحية للاحتلال، ففصائل وأحزاب العمل الفلسطيني لم تعِ عمق المعنى في قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعًا" ولا القيمة الجمالية في قول من قال: تأبى العصي إذا اجتمعن تكسرا ** وإذا افترقن تكسرت آحادًا؛ بل إنهم حتى لم يستمعوا الى مقولة الثور الأحمر عندما سلم أخيه الثور الأبيض للهلاك، ولما جاء دوره صاح "قتلت يوم قتل الثور الأبيض"، وإلى المقال الذى كتبه الصحفي الاسرائيلي شلومي الدار.
شيئًا فشيئًا، وكلما تبينت المزيد من إرب المعلومات؛ يتضح ان إسرائيل و حماس يتناقشون بجدية حول ترتيب طويل الأمد، المسؤول في حماس د. أحمد يوسف، والذي كان مدير مكتب زعيم الحركة سابقًا اسماعيل هنية، أباح لصحيفة الحياة (18 أغسطس) ان لدى إسرائيل مقترح مفصل من مسودة التهدئة التي بلورها مبعوث الرباعية السابق في الشرق الأوسط توني بلير ، ومن مجمل الأمور يمكن ان نفهم ان حماس مستعدة للقبول بالخطوط العريضة الواردة في المقترح، وانهم ينتظرون الآن موافقة إسرائيل لكي يشرعوا ببلورة الاتفاق بشكل عملي، بما في ذلك تشكيل لجان للمفاوضات، وأضاف يوسف ان وفدًا حمساويًا ينتظر تصريحًا مصريًا للخروج لإجراء سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين في القاهرة وتركيا وقطر بشأن الخطوط العريضة للتهدئة.
وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي هو الآخر صرح في لقاء مع قناة "فرنسا 24" ان اتفاقًا آخذ في التبلور سيؤدي من بين الكثير من الأمور الى انتهاء الحصار المضروب على غزة ، "لسنا على يقين من حدوث ذلك غدًا أو بعد شهر" قال في لقائه مع التلفزيون الفرنسي، "ولكن كل الدلائل تقول بالإيجاب، هناك مفاوضات على أعلى المستويات، وهناك وسطاء يبذلون قصارى جهدهم في التوصل لاتفاق".
مسؤولو السلطة الفلسطينية يتتبعون عن كثب وبقلق بالغ هذه الأنباء، فبالنسبة لهم الاتفاق بين إسرائيل وحماس معناه إدامة الفصل بين غزة والضفة أو بكلمات أكثر تعبيرًا "ولادة دولتين لشعب واحد"، وهذا هو سبب طلب رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن ان يلقى في مكتبه في المقاطعة في رام الله رئيس المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ، وقد أبدى أبو مازن في اللقاء (18 أغسطس) قلقه من الاتفاق، والذي يمس بشكل كبير بمكانته ومكانة حركة فتح كممثل للشعب الفلسطيني، وقد استجاب هرتسوغ لطلب أبي مازن، وتحدث ضد طريقة بلورة الاتفاق "لا مشكلة لديّ في التوصل الى الهدوء مع غزة، ولكن يجب ان يكون ذلك بالتنسيق مع أبي مازن من خلال مفاوضات تسمح بدخوله هو الآخر الى قطاع غزة" قال في لقاء مع "واللا".
أبو مازن ما يزال يظن ان باستطاعته العودة الى غزة وإعادة الوضع الى سابق عهده، بمعنى ان تسيطر فتح على جميع المناطق الفلسطينية، لقد انقضت ثمانية أعوام على طرد جماعته من غزة بالقوة، ولقد أقامت حماس ووفق كل المقاييس نظام حكم عسكري في غزة، ويأبى مسؤولو السلطة ان يفهموا ان هذا الواقع غير قابل للتحول، ليس هناك أي سيناريو منطقي يمكن ان نرى من خلاله ان حركة حماس رغم ضائقتها تتنازل عن الحكم في غزة وتفكك قوتها العسكرية والقبول برجال السلطة، وعلى رأسهم عباس يعودون الى غزة.
منذ الانقلاب في الـ 2007 ارتكب أبو مازن جميع الأخطاء الممكنة في سبيل إدامة انقسام السلطة الى جزأين جغرافيين سياسيين واجتماعيين، وقد بدأ الامر بعد فوز حماس في انتخابات العام 2006 عندما رفض ان يستوعب نتائج الانتخابات ونقل السلطة بطريقة مرتبة الى حماس، في الواقع انه حاول ان يتدخل بشكل فاضح في النتائج، والنهاية معروفة، فقد انتهى الأمر بانقلاب عسكري.
أبو مازن اعتقد انه في حال عانت حماس من ضائقة اقتصادية شديدة فإن الحركة ستتنازل راغبة عن حكم غزة، وقد أرسلت أمور الى إسرائيل بهذا المعنى إبان حكم رئيس الحكومة ايهود أولمرت، وكان هذا أحد أسباب انتهاج الاستراتيجية الفاشلة "خنق" حماس بالحصار.
بعد عملية "الجرف الصامد" العام الماضي، رفض عباس ان يقود برنامج إعمار غزة رغم رغبة الدول المانحة وتأييد الاتحاد الأوروبي للعملية، وكان قبل ذلك قد شكل حكومة وحدة وطنية مع حماس، وقد عارضت إسرائيل ذلك بشدة، وقد أدى تشكيل هذه الحكومة الى تفجر المفاوضات السياسية بين السلطة وإسرائيل دون التوصل الى اي تحسن في أوضاع الفلسطينيين.
حماس حقيقة قائمة، وكذلك سيطرتها على قطاع غزة، لقد دار في السنوات الأخيرة جدل كبير في إسرائيل حول التحرك لإسقاط حكم حماس في غزة وإعادة الزمام فيها الى يدي زعيم فتح، وإلى يومنا هذا لم يحدث ذلك، لا بعملية "الرصاص المصبوب" في ديسمبر 2008، ولا في "الجرف الصامد" في يوليو/ أغسطس 2014. إسرائيل أيضًا، وإن لم تكن تعترف بذلك على الملأ وبشكل رسمي، سلمت بحقيقة حكم حماس في غزة، والآن آن أوان المرحلة العملية لهذا التسليم والعمل على رفع الحصار الذي لم يحقق أهدافه المعلنة؛ إسقاط نظام الحكم في غزة.
تصعب في الوقت الحالي رؤية الاتفاق المتبلور بين إسرائيل وحماس، وهو ينتقل من مرحلة الكلام النظري الى المرحلة العملية، فهناك الكثير من العراقيل الكبيرة على الطريق، والسؤال الأكبر من بين جميع الاسئلة هو هل القيادة السياسية الرسمية لحماس ستنجح في فرض رؤيتها على ذراع الحركة العسكري؟
ولكن في إسرائيل أيضًا لا تنقصنا العقبات، فكيف سيقدر نتنياهو ان يمرر في حكومة يمينية متشظية خطة تديم حكم تنظيم إرهابي في غزة؟ بل وتقدم لهذا الكيان ممرًا بحريًا عبر ميناء قبرصي؟
وفيما نجح الطرفان في التوصل الى اتفاق أو لم ينجحوا؛ فقد آن الأوان ان يكف أبو مازن ومسؤولو السلطة عن التغرير بأنفسهم، السلطة الفلسطينية بقيادته لن تعود الى غزة، حماس لن تفكك جيشها فقط من أجل إعادة من طردتهم من هناك بالقوة فقط، غزة والضفة صممتا في السنوات الأخيرة كل واحدة بشكل مستقل ومختلف عن الآخر، وأكثر من ذلك، فقبل الانقلاب والانفصال عن كونهما سلطة واحدة وكم واحد فقد وجدت الفروقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ما بين الضفة وغزة، نشطاء فتح الذين فروا بعد الانقلاب الى الضفة يشعرون الأمر الى يومنا هذا يلسع جلودهم، وبصفتهم مواطنين غزيين في السابق لم ينجحوا بالانسجام التام مع مواطني الضفة، وفي فترات متقاربة يشعون بالغربة هناك؛ بل ويشعرون انهم منبوذون.
الفروقات بين غزة ذات التوجه المصري وبين الضفة ذات التوجه الأردني تطورت واحتدت في السنوات الأخيرة، وبلغت نقطة اللاعودة، على أبي مازن ان يفهم ذلك، وأن يستخلص ذلك من أخطاء ماضيه وأن يركز على المستقبل، عليه أن ينسى أمر غزة وأن يركز على تحسين حياة الفلسطينيين في الضفة، الاتفاق بين إسرائيل وحماس من شأنه ان يعيد ثقة الى الإسرائيليين والفلسطينيين في المفاوضات؛ الأمر الذي يمكنه ان يخدم مصالح أبي مازن.
ترجمة أطلس للدراسات الاسرائيلية
