عاد وعي محمد علان المعتقل الإداري المضرب عن الطعام في السجون الإسرائيلية منذ ما يزيد على الشهرين والمتواجد حالياً في مستشفى برزلاي الإسرائيلي، ومع عودة الوعي لعلان ظهر أكثر المأزق الإسرائيلي عندما رفض الصفقة التي تعرضها عليه السلطات الإسرائيلية والقاضية بالإفراج عنه وإبعاده لمدة أربع سنوات على الأغلب إلى قطاع غزة ، ويصر علان على الإفراج الفوري عنه وعودته إلى بيته، وإلا فإنه سيمتنع عن تناول الماء والأملاح ليعرض حياته من جديد للخطر الذي لم يزل يهدده حتى الآن.
قصة محمد علان مثل قصص الأسرى الذين سبقوه في الإضراب لفترات طويلة مثل سامر العيساوي وخضر عدنان اللذين اضطرت السلطات الإسرائيلية للإفراج عنهما بعد أن فشلت في كسر إضرابهما.
وهذه القصص البطولية تحرج إسرائيل التي باتت من الدول القليلة جداً التي لا تزال تطبق الاعتقال الإداري ليس كوسيلة لوقف خطر فوري على حياة البشر كما هو متعارف عليه في العالم وطبقاً للقانون الدولي الذي يجيز هذا الشكل من الاعتقال في حالات نادرة فيها خطر حقيقي داهم يتم ايقافه بتوقيف الشخص الذي يمثل هذا الخطر. فلا يوجد لدى السلطات الإسرائيلية أي دليل على وجود خطر ملموس من أي فلسطيني يتم اعتقاله إدارياً، بل ان التجربة مع الاحتلال الإسرائيلي تقول أن السلطات الإسرائيلية عندما تستشعر وجود خطر في أي مواطن فلسطيني تسعى للقضاء عليه فيما يوصف إسرائيلياً بتحييده.
وعليه أصبح الاعتقال الاداري وسيلة لمعاقبة المعتقلين على نشاطهم أو مواقفهم السياسية، بدليل أن الكثيرين يتم اعتقالهم والإفراج عنهم عدة مرات دون تقديمهم للمحاكمة كما في حال أعضاء المجلس التشريعي الذين لا يشكلون خطراً أمنياً بأي حال.
إسرائيل تعيش أزمة أخلاقية عندما لا تستطيع الدفاع عن نفسها أمام الانتقادات الدولية المتزايدة، بل أن الحكومة التي سعت إلى سن قانون الإطعام القسري للمضربين كوسيلة لارغامهم على فك إضرابهم تجد مشكلة في اقناع الأطباء الإسرائيليين بتنفيذ هذا القانون بعد أن رفضته نقابة الأطباء وبعد أن رفض الأطباء في مستشفى سوروكا ومستشفى برزلاي القيام باطعام المعتقل محمد علان بالقوة، ولجؤوا في النهاية إلى وضع المحلول في دمه عبر الشرايين، ولكن هذا لم يغير من الحالة الخطرة التي يعيشها بسبب الإضراب المتواصل. فكيف ستقنع إسرائيل أحداً في العالم بقانونية ما تفعل وهي العاجزة عن التصدي لسلاح الإضراب الفتاك الذي أثبت جدواه في كل مراحل نضالات الحركة الأسيرة الممتدة من عمر الاحتلال.
لن تستطيع إسرائيل تبرير موقفها بضرورة الاعتقال الإداري فكيف باستخدام القوة لكسره، وأكثر ما يثقل كاهلها هو اضطرارها للاستجابة لمطالب المضربين، وفي كل مرة تحاول ابتداع الوسائل لثني الأسرى عن استخدام هذا السلاح أو الاستمرار في اضراباتهم التي تبدأ ولا تنتهي إلا بتحقيق الانتصار على السجان ونيل الحرية.
فهذه الوسيلة الكفاحية استطاعت التغلب على ضعف الحركة الأسيرة وتفككها وتأثرها بالخلافات السياسية في الخارج، وهي في النهاية تمثل خلاصاً فردياً لعدد محدود من الأسرى ولا تحل مشكلة الأسر.
هناك حاجة للتوقف أمام ظاهرة الإضرابات البطولية غير المحدودة من حيث زمن استمرارها، فحتى لو كانت تمثل محاولة للخلاص الفردي فهي تعبرعن ابداع كفاحي يحرج إسرائيل وعمل في أقصى درجات المخاطرة بالنفس وتأتي في الدرجة الثانية بعد العمليات التي يفجر فيها الناس أنفسهم، وهي وسيلة سلبية سلمية لا تؤذي أحداً ولا يمكن تصنيفها بعمل عدائي أوعنيف، ولكنها فعالة للغاية ومؤثرة جداً وفي كل مرة تكون أكبر تأثيراً. وفي حالة محمد علان فاق تأثير إضرابه الحالات التي سبقته ليس فقط بفعل تعرضه لخطر الشهادة، بل لأن الفلسطينيين في إسرائيل قاموا بالاعتصام أمام المستشفى وحظي الموضوع بغطاء اعلامي كبير إلا درجة أنه احتل مكاناً مهماً في وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية. فإذا كان هذا الفعل الفردي قد تخطى افعالا كثيرة لم يسمع بها أحد أو لم تنل الاهتمام الكافي، فكيف بفعل على مستوى الشعب أو قطاعات واسعة منه؟
محمد علان يعرينا جميعاً ويظهر كم نحن ضعفاء وبؤساء عندما نفشل في استعادة وحدتنا ويكثر لطمنا على ما ضاع وما سيضيع منا بسبب عجزنا وبسبب تحول قضيتنا إلى مجرد غنيمة تافهة نتصارع عليها ويتحول أفضلنا من يحظى برضى إسرائيل والغرب، لا من يبدع في تحقيق انجاز يخدم مشروعنا الوطني. نحن نلطم ونولول على مشروع دولة غزة والممر المائي إلى قبرص التركية الذي يراد منه إنهاء فكرة الدولة المستقلة وربما يقود إلى تهجير عدد كبير من شباب القطاع للخارج، ونولول على عدم قدرتنا على انجاز فكرة الانتخابات وتجديد مؤسساتنا وضخ الدماء فيها، ونولول على تحول قضيتنا إلى موضوع ثانوي يحتل أسفل سلم اهتمامات الأمة والمجتمع الدولي برغم الكلام الجميل الذي يقال دعماً لحقوق شعبنا، ولكن لا أحد يفعل شيئاً لتغيير هذا الواقع، نتحدث عن مؤامرات ولا نسعى لإفشالها ونتحدث عن ضعف لا نقاتل من أجل التخلص منه وتقوية أنفسنا بدءاً بالوحدة الوطنية. نحن لسنا بحاجة لتعريض أنفسنا لخطر الموت مثل علان ولكن للتضحية بشيء من المصالح الخاصة والفئوية، فهل نتعلم من تجاربنا أم أننا وصلنا إلى حالة ينطبق عليها بيت الشعر" لقد أسمعت لو ناديتَ حياً ...ولكن لا حياة لمن تنادي"؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية