وبعد مسيرة نضالية وسياسية طويلة .. (1) سؤال محير!! سؤال حيرني كثيرا , روادني عن فهمي وتجربتي .. اتعبني كثيرا !! طبيعة السؤال ليست عدمية ,ولا تعنى أنه لا توجد انجازات ..بل توجد بكثرة وافرة , لكن مضمون السؤال يقول :" هل تتوافق الانجازات مع العمر المديد للصراع والكم الهائل من التضحيات وغزارة العمل السياسي والمقاوم .. هل نحن راضون بما أنجزناه في ظل تشتت الانجازات بين الفصائل والبرامج دون ان ينظمها ناظم .. وهل يحاول بعضنا أن يجهض /يقزم "انجازات" الاخر ..ومن ثم كيف تبدو الصورة النهائية لانجازاتنا الوطنية ؟؟ للاسف, بدل أن يفكر البعض في السؤال باعتباره حاثا ودافعا للتقييم والتقويم وتصحيح المسار الوطني ,يضعه موضع التشكيك والتثبيط , وهو تفكير سقيم ,لانه يبقينا معلقين حائرين ..نردد "انا وجدنا اباءنا على أمة ", وانه لا ينبغي ان نسأل او نفهم ,بل مطلوب ان نصفق ونؤيد والعصابة على عيوننا !!. الا يعتقد هؤلاء بان الشعب وصل الى درجة من الوعي ما يمكنه من طرح اسئلة مصيرية للقادة والمسئولين حول مصيره ومستقبله ؟؟ يحق لنا أن نسأل قادتنا -الرسميين والحزبيين -بعد هذا المسار الطويل : أين نقف الان ..والى اين وصلنا ..وأي مسافة قطعنا ..وأي مستقبل ينتظرنا ؟؟ نسمع اصواتا/شعارات كثيرة :(نحن على مرمى حجر) و(لم يتبق الا القليل) من تحرير فلسطين والصلاة على اعتاب المسجد الاقضى ..!! حينها تصعقني اسئلة كثيرة " كيف سنحرر فلسطين اذا كنا فشلنا في تحقيق المصالحة وغرقنا اكثر في مستنقع الانقسام ..كيف سنهزم الاحتلال اذا كنا عاجزين عن حل مشاكلنا (الصغيرة) ..كيف سنوقف مشاريع ومخططات الاحتلال اذا كان صفنا هشا ورؤيتنا مشوشة ؟؟. صحيح أننا نستطيع أن نرفع رأسنا عاليا بثباتنا على أرضنا وتمسكنا بحقوقنا وحفاظنا على هويتنا ورفضنا للاحتلال بكل تفاصيله ..ان نرفع رأسنا بأننا قاومنا وصبرنا وضربنا العدو ضربات موجعة ,وضيقنا عليه الخناق في كثير من المحافل السياسية والدولية ,لكن هذا لا يكفي.. لا يتوازن مع مساحات بطولاتنا وتضحياتنا. من المفترض أننا قطعنا مسافات أطول وحصلنا انجازات أكثر ,لو أحسنا استخدام اوراق القوة لدينا ولو اجتمعت كلمتنا وجهودنا تحت مظلة الوطن .دوما كنت أقول "الفلسطينيون مبدعون في التضحيات متواضعون في قطف الثمرات". (2) ما الذي انجزه الفلسطينيون بعد : 68 عاما من عمر القضية ..عقود طويلة من الكفاح الثوري والمقاومة.. انتفاضتين عظيمتين وثلاث حروب عنيفة..مسيرة سياسية تجازوزت العشرين عاما.. تجاوز عدد شهدائنا وأسرانا عشرات الالاف .. تكاثر الفصائل لدينا حتى وصلت الى نحو 15 فصيلا .. ان اصبح لدينا سلطة ورئيس وبرلمان ووزراء... فشل مسيرة المصالحة الوطنية وتعمق الانقسام.. تراجع الخدمات وزيادة نسبة الفقر والبطالة .. تشرذم المشروع الوطني وتوزعه بين الفصائل.. ؟؟؟ (3) في المقابل / ما الذي أنجزه الفلسطينيون بعد ان: ابتلع الاستيطان غالبية اراضي الضفة وزادت في السنتين الاخيرتين بنسبة 200% ..صادرت اسرائيل نحو 60% من اراضي الضفة.. سيطرت على أكثر من 80 %من مساحة القدس ، لتصبح نسبة السكان اليهود فيها أكثر من 88%، بينما تكون نسبة الفلسطينيين 12 % بحلول العام 2020.. سحب الاحتلال ما يزيد على 10 آلاف هوية من عائلات فلسطينية منذ العام 1967..وصل عدد المستوطنات إلى نحو 40 حول القدس، يتركز فيها 280 ألف مستوطن..سحب الاحتلال صلاحيات السلطة السيادية والامنية والاقتصادية وحولتها الى سلطة وظيفية.. فرض حصارا خانقا على القطاع لاكثر من ثماني سنوات.. استحال حل الدولتين وصار وهما ..أن ترجعت قضيتنا في كثير من العواصم العربية والدولية ؟؟؟. (4) معايير الانجازات الحقيقية أدرك انني دخلت في طريق وعر وارض مليئة بالالغام ,لانني سأجد من الساخرين والشاكين والمتشدقين الذين يحبون أن يتلذذوا بالامنيات ويتعشقوا الشعارات ويدحضوا الحقائق والحسابات. وجدت انه من الواجب الديني والوطني ان نستخرج جوابا من بئر واقعنا ومن بين ثنايا احلامنا ,حتى لا نبقى رهائن للوهم ..أسرى للشعارات ..غارقين في الاماني. وحتى لا اكون متعسفا في مقالي, فان هذه القضايا (الكبرى) يجب أن تقاس بالحقائق والعلم والحسابات لا بالعواطف والامنيات والشعارات.. ان المعايير التي يمكن ان نحكم بها على انجازاتنا من اخفاقاتنا (أو اوهامنا) هي على النحو التالي : 1- ان الانجازات يجب ان تكون وطنية وليست فصائيلية /حزبية محضة, لان فصيلا ما قد يعتبر ان قوته وازدياد عدده هو بمثابة "انجاز وطني ".. مع ادراكي ان بعض الانجازات الفصائلية هي انجازات وطنية بلا شك , لكن ينبغي الا يختزل الوطن في الحزب . ماذا يفيدنا كثرة الحزب أو زيادة قوته اذا كان ذلك لا يمنع تمدد الاستيطان أو تهويد القدس أو مصادرة الارض ولا يوقف غلواء المستوطنين ..ماذا تفيدنا الشعارات الكبيرة والمهرجانات الحاشدة اذا كانت الاحتلال يزداد ضراوة ووحشية..ماذا تفيدنا كثرة الاحزاب والفصائل اذا كان بيتنا هشا والخلافات تنهش صمودنا ..ماذا تفيدنا كثرة الاجتماعات والخطابات والفعاليات اذا لم تقدمنا خطوة واحدة نحو وحدتنا وتعزيز صفنا ؟ 2- ان الانجازات يجب أن تقاس مقارنة بعمر قضيتنا وبما قدمنا من تضحيات , فلا ينبغي أنه مقابل هذاالعمر الطويل من الصراع والكم الهائل من المقاومة والعمل السياسي والشعبي أن (نفرح) بانجازات صغيرة محدودة.نحن اكثر شعب له سجل طويل في البطولات والتضحيات ,لكن حين نضع الانجازات في الكفة الاخرى نجدها جدا متواضعة. 3- ان المعيار الاساسي هو في زحزحة اسرائيل عن مواقفها وتراجعها عن سياساتها ومشاريعها, وكم شكلنا ضغطا وتأثيرا على مخططاتها الاحتلالية مثل الاستيطان والجدار والقدس والاسرى .يوم ان نعتقد ان اسرائيل ستخنع بالمفاوضات (المجردة من ارواق القوة) فنحن غارقون في الوهم ..ويوم ان نعتقد ان القوة المجردة من الاستراتيجية السياسية فهذه خديعة كبرى..ويوم نقتنع اننا سنسترد حقوقنا لمجرد استلامنا مقعدا في الامم المتحدة فنحن نضحك على انفسنا وعلى شعبنا!! 4- كم تقدمنا في تعزيز الوحدة الوطنية(سر قوتنا) ,لان استنزافنا في صراعات داخلية أكبر هدية لاسرائيل لتحقيق اهدافها على المستوى الاني والاستراتيجي وأكبر معطل لمشروعنا الوطني. 5- كم نجحنا في محاصرة اسرائيل دوليا وسياسيا وقانونيا..من حيث الملاحقة القانونية والمقاطعة وتحشيد الرأي العام لقضيتنا وضد الاحتلال .. 6- كم أنجزنا في خلخلة الركنين الاساسيين لاسرائيل : الامن والشرعية , بحيث لا تتمتع اسرائيل بالاستقرار على حساب الامن الفلسطيني , ولا تتمتع بالشرعية السياسية على حساب نكران الحقوق الفلسطينية. ان هذه المعايير بامكانها ان تفصح /أو تميز الانجاز من الوهم. (5) الاختلاف والتعارض الانجازات هي عملية تراكمية ونسبية , ولا يمكن ان تقاس بمنطق (الابيض والاسود) . ماذا ستكون النتيجة لو جمعنا 50 سنة من عمر فتح ,و38 سنة من عمر حماس ,و33 سنة من عمر الجهاد ,و48 سنة من عمر الجبهة ؟؟؟ صحيح اننا نختلف كثيرا في تحديد الانجازات وفرزها من الاخفاقات , وذلك بسبب انقسام الحالة الفلسطينية وتعارض/تصارع برامجها . فمثلا من الفصائل من يعتبر ان المسيرة السياسية حققت بعض الانجازات مثل الانسحابات وانشاء سلطة وطنية والتحكم في مناهج التعليم والحفاظ على الهوية الوطنية ,ورفع مستوى القضية في المحافل الدولية واعترافها بالدولة الفلسطينية . في المقابل هناك من يرى في المسيرة السياسية "كارثة وطنية" افضت الى تقديم تنازلات خطيرة ,ومنح اسرائيل مظلة لاستكمال مشاريعها الاحتلالية وقيدت المقاومة وضيقت الخيارات والبدائل امام الشعب الفلسطيني. فصائل المقاومة ترى انها حققت اختراقات كبيرة من حيث التطور العسكري ومواجهة الاحتلال وفرض معادلة جديدة ونجاحها في اطلاق سراح أسرى .هذه الانجازات لا تنكرها الفصائل (السياسية) لكنها تأخذ عليها أنها تعمل دون مظلة سياسية ودون القدرة على تحقيق اهداف سياسية كبيرة . هذا يقودني الى نتيجة مهمة :انه بدون تكامل البرامج الوطنية فان نتائجها تبقى متواضعة ,محدودة التأثير على مجمل القضية الفلسطنيية . ان مشكلة بعض الفصائل انها لا تملك تحديدا لاهدافها –التكتيكية أوالاستراتيجية- ومن ثم فانه يختلط عليها الفرق بين الاعمال من الانجازات. كما ان تبني طرف ما نهج عرقلة او اجهاض ما يراه الطرف الاخر انجازا -وهي معادلة حكمت مسار الحالة الفلسطينية عموما- تسبب في حالة من الصدام والاستنزاف الداخلي وضعف القدرة على تحقيق انجازات وطنية كبيرة . هناك من الفصائل من (يضخم) من انجازاته الى درجة المبالغة المهولة ,وهناك من يحقر/يقزم انجازات غيره فيجعلها(كالنملة)!! ان غياب الاستراتيجية الوطنية الجامعة جعلت الساحة الفلسطينية متخمة بالاجتهادات المتعارضة والبرامج المتصارعة(المتناكفة), مما يقزم الانجازات ويحشرها في صناديق مغلقة !! ثم ان عدم قدرتنا على تسويق قضيتنا ( الوطنية /السياسية) ,ووضعها –بقوة والحاح -على طاولة واجندة الدول العربية والاجنبية, وتغليب استجلاب المساعدات الانسانية والمالية جعل الاطراف العربية والدولية تتعامل مع قضيتنا بنوع من (الشفقة) وليس بدافع التبني السياسي . ثم ان دخول السلطة (بكل اشكالاتها )على خط المعادلة الفلسطينية "خربط" لدينا الاولويات وادخلنا في متاهات وصراعات على الوزارات والصلاحيات والمراسيم والانتخابات ,مما دفع بالمشروع الوطني الى الوراء سنوات وسنوات ,وبات الخلاف هو الاصل في كل شيء. (5) خلاصة واستناج هناك حاجة ملحة لقراءة وتقييم الانجازات بعيون وطنية ومعايير حقيقية ..هناك حاجة لنظم الانجازات في (عقد) وطني متماسك... أتمنى على كل فصيل أن يمسك ورقة وقلما ويسجل-بتجرد وأمانة- انجازاته واسهاماته (الوطنية) ,وكذا نقاط ضعفه وتقصيره .حينها سنكتشف الحقيقة من الوهم ,ونعرف جيدا على أي مسافة نحن من تحرير فلسطين ...قاب قوسين أم على بعد سنوات ضوئية !!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد