مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من الشهر المقبل يجد المناصرون للقضية الفلسطينية من الناخبين الأميركيين، عرباً ومسلمين، أنفسهم أمام ضرورة الاختيار بين مرشّحين الواحد منهما أسوأ من الآخر.

الضرورة تفرضها طبيعة النظام الانتخابي، الذي يحصر المنافسة تقريباً بين حزبين ومُرشَّحَين، لا حظوظ معهما لأيّ مُرشَّح ثالث.

للمرّة الأولى تقريباً، تفرض التطوّرات على ساحة الشرق الأوسط، على كتلة من المسلمين والعرب أن يتركوا بصماتهم على المشهد السياسي الأميركي. قد يبدو أنّ هذه الكتلة محدودة التأثير، لكنها بالنظر إلى تقارب حظوظ المرشّحين كامالا هاريس ودونالد ترامب حاسمة، خصوصاً في عددٍ من الولايات المتأرجحة، ما يضفي على أصواتهم أهمية كبرى في اتجاه تحديد المرشّح الأوفر حظّاً.

هذه الكتلة ليست منفصلة عن جملة من المتغيّرات وإن كانت بسيطة على لوحة الانتخابات فثمة أعداد متزايدة من اليهود تقف إلى جانب الحقّ الفلسطيني، وأعداد متزايدة من منتسبي الحزب الديمقراطي، ومن اليسار والمستقلّين.

من حيث المبدأ، لا يجوز إقصاء هذه الكتلة لنفسها، سواء بالامتناع عن الإدلاء بأصوات أفرادها، أو تقديم أوراق بيضاء، أو منح أصواتهم لمرشّح ثالث، لا حظوظ له بالفوز، وبما يعني إهدار هذه الأصوات، وإهدار وزنها السياسي.

بعض المؤسّسات العربية أعلنت قبل أسابيع أنّها لن تصوّت لصالح هاريس، ارتباطاً بسياسة الإدارة الأميركية الديمقراطية القائمة إزاء شراكتها وانخراطها المباشر إلى جانب إسرائيل في الحرب الإبادية، وبالتأكيد استبعاد التصويت لصالح ترامب، من المهم أوّلاً، توحيد موقف كل من الكتل المساندة لفلسطين إزاء مسألة المرشّح الذي سيتمّ التصويت لصالحه.

حين يجري الحديث عن المقارنة بين المرشّحين، وأحلاهما أمرّ من الآخر فإنّ هاريس مسؤولة من موقعها كنائب للرئيس عن السياسات والمواقف الأميركية المنخرطة مباشرة في الحرب لصالح الدولة العبرية، ومسؤوليتها عن تقديم الأسلحة والذخائر، والدعم والحماية لدولة الاحتلال، بما في ذلك مسؤوليتها عن حرب الإبادة الجماعية والفظائع التي ارتكبتها وترتكبها بحق القرارات والقوانين الدولية، والقانون الدولي الإنساني.

وتتسم سياسة الإدارة الأميركية الديمقراطية، بالكذب، دون توقُّف فلقد وعد جو بايدن خلال حملته الانتخابية العام 2020، وبعدها بقليل باتخاذ جملة من المواقف التي انقلبت عليها الإدارة بسرعة قصوى.

تحدثت الوعود البايدنية، عن إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس ، ومواصلة العمل من أجل «حل الدولتين» ووعود أخرى تبيّن أنها ذرّ للرماد في العيون. اليوم تتحدث هاريس عن معاناة المدنيين الفلسطينيين، وعن «حل الدولتين» واستمرار دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والعمل من أجل إطلاق سراح المختطفين، ووقف الحرب، لكن إدارتها لم تفعل سوى أنّها تمنح دولة الاحتلال المزيد من الوقت، والمزيد من الدعم الذي تجاوز 18 مليار دولار.

لا يمكن تفسير هذه السياسة للديمقراطيين على أنّها تعبير عن حالة عجز، أو احترام لسيادة دولة مستقلة هي دولة الاحتلال، فلقد كان بايدن قد أعلن عن اعتزازه بكونه صهيونياً، وكذا فعل وزير خارجيته بلينكن عن أنّه يهودي، وكأنّ الاثنان بالممارسة، منتميين حدّ العظم لما أعلنا انتماءهما إليه.

إذا كان هذا غيضاً من فيض، الظلم الذي تتسم به سياسة الديمقراطيين فإنّ الأمر بالنسبة للمرشّح الآخر، ليس أقلّ ظلماً وخطورة.

ترامب، هو صاحب « صفقة القرن »، وإنجازات «السلام الإبراهيمي»، وهو صاحب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها في تجاوزٍ للسياسة التقليدية الأميركية. وهو صاحب الاعتراف بحقّ دولة الاحتلال في السيادة على هضبة الجولان السورية المحتلة، وهو صاحب قرار الانسحاب الأميركي من اتفاق (5+1) المتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني في العام 2015، وغيره من الاتفاقيات الدولية.

هذا فقط ما يتعلّق بسياسات ومواقف ترامب حين كان رئيساً بين 2016 و2020، عدا سياساته ومواقفه تجاه حلفائه في «الناتو»، وأوروبا، وتجاه الصين والعلاقات الدولية.

قد يقول قائل، إنّ الرؤساء في الولايات المتحدة، هم موظّفون يديرون مؤسّسة راسخة، هي المسؤولة عن رسم السياسات والمسارات لكنّ ثمة فرقاً بين من يعبّر من هؤلاء عن سياسة المؤسّسة وبين من يضفي بصمة واضحة وزعاماتية شخصية على السياسات الفدرالية، وترامب واحد من هؤلاء.

لقد تمتّع بجرأةٍ وقحة، وعُنجهية واضحة، واستعلاء وغُرور حين يتخذ قراراته المجنونة.

نقلاً عن شبكة «سي. إن. إن» مؤخّراً يحذّر قادة عسكريون كبار سبق أن خدموا تحت إمرة ترامب من عودته لتولّي منصب الرئيس مرّة ثانية ووصفوه بأنّه فاشي حتى النخاع، ويحاول تقسيم الأميركيين.

ولقد عبّر عن أنانيته، وغُروره في ردود فعله، وأنصاره بعد ظهور نتائج الانتخابات السابقة.

إزاء الانتخابات التي ستُجرى بعد أيّام قليلة يعلن ترامب أنّ فوز هاريس يعني أنّ الانتخابات مزوّرة بما يعني أنّه لن يعترف بالنتائج إن لم تكن في صالحه.

تقود هذه الشخصية إلى الاعتقاد، أنّ فشل ترامب في الانتخابات الرئاسية، سيحمل للولايات المتحدة نُذُر انقسامات واستقطابات حادّة، وتزايد العنصرية، والتحريض، وانتشار الفوضى في طول الولايات وعرضها.

مثل هذا السيناريو الواقعي، يجعلنا نعتقد أنّ أصوات المسلمين والعرب، والمناصرين للقضية الفلسطينية، وحقوق الإنسان، ينبغي أن تصبّ في صالح هاريس، ليس من باب الرضا عن سياساتها أو الإيمان بوعودها أو انتظار الأفضل منها.

إنّ فوز هاريس يعني قطع الطريق أمام الفاشية العالمية الجديدة التي تظهر ملامحها بوضوح في الدولة العبرية، وبحيث تصبح ذات طابع كوني في حال فوز ترامب.

لكن الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ، إذ لعلّ هذه الانتخابات، وما سيترتّب عنها، تساهم في انهيار النظام العالمي الذي تتسيّد عليه أميركا، بما ينتظرها من أزمات كبرى ستضعف من مكانتها ودورها على صعيد الشرق الأوسط وأقاليم كثيرة.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد