رغم أن كلا المرشحين لانتخابات الرئاسة الأميركية الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس يعرفان البيت الأبيض جيداً، الأول من خلال مكوثه فيه رئيسا من قبل لمدة أربع سنوات والثانية من خلال كونها نائبة للرئيس الحالي إلا أن كليهما يتنافس على دخول البيت الأبيض بعد أكثر قليلا من أربعة أشهر من الآن كرئيس لأربع سنوات قادمة.
وقد كانت المناظرة الأولى بينهما يوم الثلاثاء دليلا على حدة المنافسة التي تظهرها استطلاعات الرأي على أي حال والتي غالبا وفي معظم المنافسات السابقة خاصة حين لا يكون أحد المرشحين رئيسا يتنافس على إعادة انتخابه لولاية ثانية غالبا ما تكون حامية أو متقاربة للغاية لا تحسم بسهولة بل ولا حتى بعد إجراء الاقتراع، فكثير من تلك المنافسات حسمت بعد إعادة فرز الأصوات في ولاية أو أكثر، ولعل الانتخابات السابقة كانت مثالا على ذلك فيما كانت انتخابات العام 2000 بين كل من آل غور وجورج بوش الابن دليلا فاقعا على حدة التنافس حيث حسم المنصب بفارق بضع مئات فقط من الأصوات في ولاية فلوريدا.
ومن الواضح أن الحزب الديمقراطي فعل خيرا بإجباره الرئيس الحالي جو بايدن على الخروج من المنافسة بعد مناظرته مع ترامب التي جرت في حزيران الماضي والتي تفوق فيها ترامب فيما قلبت هاريس الأمور في مناظرتها الأولى مع ترامب والتي جرت قبل يوم الاقتراع بأقل من شهرين فصار ترامب مقابلها في موقع بايدن حين ناظره ولعل فارق السن بات عكسي التأثير كذلك ال حماس وربما أيضا أن الناخبين يتأثرون بوجود مرشح يحمل الشعارات الانتخابية دون تجربة حكم لا يمكنه معها إلا أن يكون مدافعا عما فعله ونفذه من سياسة داخلية وخارجية والمناظرة جرت في ولاية بنسلفانيا وهي ولاية كبيرة بعدد أصوات يبلغ 19 في المجمع الانتخابي وهي متأرجحة أي أنها ليست محسومة تاريخيا لأحد الحزبين لذا فهي تعتبر في نظر متابعي الانتخابات القادمة بمثابة مفتاح فوز أحد المرشحين بمنصب الرئيس السابع والأربعين.
وليس فقط حدة التنافس كما تظهر في استطلاعات الرأي هي التي تجعل من الانتخابات الأميركية مثيرة للغاية بل لأكثر من سبب من أهمها بالطبع النظام الانتخابي حيث رغم أن الناخبين من الجمهور يصوتون لأحد المرشحين وهناك مرشحون آخرون غير مرشحي الحزبين الرئيسين الذين لم يسبق أن فاز أحدهم إلا أن من يحسم النتيجة هو ما يسمى المجمع الانتخابي وذلك بسبب كون الرئيس هو رئيس الاتحاد الفدرالي الأميركي المكون من خمسين ولاية لكل واحدة منها عدد من الأصوات يتحدد بناء على عدد سكان الولاية، وهكذا فإنه في عدد من الحالات فاز المرشح الذي حصل على عدد أصوات أقل في التصويت الشعبي أي مجموع أصوات الناخبين من الجمهور لأنه حصل على عدد الأصوات الكافي للفوز في اجتماع المجمع الانتخابي وهو 270 صوتا من أصل 538.
استطلاعات الرأي الحالية بشكل عام تمنح هاريس تفوقا بسيطا على ترامب بنسبة 484% مقابل 473% لكن هذا الفارق حتى لو كان أوسع من ذلك فليس دليلا كافيا على ترجيح فوز هاريس ذلك أن هناك سبع ولايات متأرجحة هي التي بيدها حسم المنافسة وفي مقدمة هذه الولايات بنسلفانيا، ذلك أن باقي الولايات الـ43 محسومة تاريخيا لأحد الحزبين ورغم إجراء الانتخابات في كل ولاية إلا أن من يتفوق في انتخابات كل ولاية يحصل على كل أصواتها في المجمع الانتخابي حتى لو فاز بفارق ضئيل جدا يعادل بضع مئات من أصوات الناخبين.
تقديرات المراقبين تشير إلى تقدم هاريس في الولايات المحسومة بفارق 7 أصوات مجمع انتخابي عن ترامب أي بحصولها على 226 صوتا لمندوبي الولايات مقابل 219 بمجموع 445 من أصل 538 أي أن هناك 93 بحاجة إلى كفاح مرير بينهما وهي موزعة على الولايات السبع المتأرجحة حيث ينتخب المجمع الانتخابي الرئيس عادة في مبنى الكونغرس في الكابيتول بعد أسبوعين من انتهاء الاقتراع والإعلان عن النتائج.
والولايات الست الأخرى المتأرجحة والتي من المتوقع أن تشهد تنافسا حادا بين الحزبين هي: ميتشغان ولها 15 صوتا في المجمع الانتخابي، ويسكونسن ولها 10 أصوات، جورجيا ولها 16 صوتا، نيفادا ولها 6 أصوات، أريزونا ولها 11 صوتا ونورث كارولينا ولها 16 صوتا. والتقديرات تشير إلى تفوق هاريس في ولايات ميتشغان وويسكونسن ونيفادا فيما يتفوق ترامب في ولايات جورجيا ونورث كارولينا وأريزونا وهذا يعني أن هاريس لو فازت في بنسلفانيا فإنها ستزيد أصواتها في المجمع إلى 245 وبذلك تكون بحاجة إلى أصوات ولايتي ميتشغان وويسكونسن فقط أما لو فاز ترامب بولاية بنسلفانيا فإنه يزيد عدد ناخبيه في المجمع إلى 238 ويكفيه بعد ذلك الفوز بولايتي جورجيا ونورث كارولينا.
لقد دخلت هاريس حلبة التنافس مؤخرا أي قبل يوم الانتخابات بثلاثة أشهر فأحدث ترشحها صدمة للجمهوريين ومرشحهم وحتى للناخبين لأنه أعلن دخول عنصر جديد وحيوي على الانتخابات التي ظلت تراوح مكانها طوال أربع سنوات مضت بين رجلين عجوزين كلاهما تقليدي في عالم متغير ومتجدد بإيقاع سريع، وهكذا فإن الحزب الديمقراطي بإخراجه بايدن من السباق في اللحظة الأخيرة قام بإنقاذ نفسه من مأزق بل من تنافس كان لن يقتصر على هزيمة الحزب شبه المؤكدة في انتخابات الرئاسة بل وفي الانتخابات النصفية للكونغرس التي ترافقها، ورغم أن هاريس تعتبر خارجة من عباءة بايدن إلا أنها تحاول أن تظهر بصورة مختلفة وأن يظهر الاختلاف ليس بفارق السن والحيوية التي تتمتع بها وليس لكونها امرأة وهي المرأة الثانية التي تواجه ترامب بعد هيلاري كلينتون التي نافسته العام 2016 وخسرت أمامه بصعوبة بل كممثل لجيل جديد وهي أشارت إلى ذلك بقولها: أنا لست ترامب ولا بايدن.
هكذا تكون أميركا على مقربة من احتمال أن تتولى رئاستها امرأة وهذا أمر مثير للغاية يؤكد حيوية النظام الديمقراطي الأميركي لكن شرط ألا يكون الأمر شكليا فقط كما كان في مناسبات عديدة في دول الغرب حين تولت فيها زمام القيادة نساء من مثل مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا سابقا وأنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا السابقة واللتين أظهرتا قوة قيادية تفوق كثيرا قيادة الرجال ممن سبقوهما وتلوهما على حد سواء.
واعتمد ترامب على مهاجمة تحول هاريس من انتهاجها سياسات "يسارية" خلال العام 2020 إلى سياسات وسيطة هذا العام فيما اعتمدت هي على مهاجمته بصفته كاذبا وقد كانت المناظرة مهمة جدا لهاريس لأن ربع الناخبين قالوا إنهم لا يعرفونها بشكل جيد، لذا فقد اندفعت بحماس واضح وواصلت الهجوم على ترامب طوال المناظرة وتحدثت عن خططها لخفص النفقات اليومية للأميركيين، أما بخصوص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقد شددت هاريس على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لكنها في نفس الوقت أشارت إلى عدد الأبرياء الفلسطينيين الكثير جدا الذين قتلوا بما يوجب وقف الحرب فورا فيما ترامب ادعى أنه لو كان رئيسا لما حدثت الحرب أصلا وحرّض على منافسته بالقول إن هاريس تكره إسرائيل وقال إنه لو أصبحت هاريس رئيسة فإن إسرائيل لن تكون موجودة بعد عامين. وهاريس أعادت التأكيد على سياسة بايدن المعروفة والتي تدعم إسرائيل عمليا عسكريا وسياسيا فيما تطلق الكلام الفارغ للجانب الفلسطيني.
ورغم أن مناظرة يوم الثلاثاء كانت الأولى لهاريس والسابعة لترامب إلا أن التقدير كان أن هاريس تفوقت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية