مقتل الناشطة الأميركية تركية الأصل عائشة نور إزجي إيجي على يد جنود الاحتلال الإسرائيلي قرب نابلس ، لم يكن بالتأكيد السبب الذي يدعو الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، لإطلاق تصريحاته غير المسبوقة، التي قال فيها: "إنه يتعيّن على الدول الإسلامية أن تشكّل تحالفاً ضد ما وصفه بالتهديد التوسّعي المتزايد من جانب إسرائيل".

تحدّث أردوغان عن أبعاد الخطوات التي اتخذتها تركيا، مؤخّراً، لتحسين علاقاتها مع مصر وسورية، والتي تستهدف تشكيل خط تضامن ضد التهديد التوسّعي المتزايد، والذي يهدّد، أيضاً، لبنان وسورية.

جاءت هذه التصريحات بعد استقباله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أنقرة، الذي قام بزيارتها بعد 12 عاماً، لتقدم تفسيراً جزئياً، لأبعاد الحرب العدوانية الإسرائيلية الأميركية المدعومة من "الغرب" الرأسمالي، الذي كان على رأس أهدافه إعادة هيكلة خارطة الشرق الأوسط.

في الأغلب، فإنّ قادة الشرق الأوسط، العرب منهم أساساً يدركون منذ زمن أبعاد وأهداف السياسة الإسرائيلية والأميركية، وفي مقدمتهم المستهدفون من تلك السياسة؛ مصر وسورية ولبنان والأردن، وحتى يصل الاستهداف إلى تركيا التي تجاور هذا الطوق الذي يحيط بفلسطين التاريخية.

لا يعود الأمر إلى التكهّنات بشأن الحدود التي يرسمها علم الدولة العبرية بالأزرق والأبيض، ولا بالتصريحات التي تصدر بين الحين والآخر من مسؤولين إسرائيليين بشأن طموح دولة الاحتلال في التوسع على حساب جيرانها العرب.

السلوك الإسرائيلي خلال السنوات الطويلة المنصرمة منذ ما يسمى "الربيع العربي"، وما كشفت عنه المرشّحة السابقة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر يضفي مصداقية على ما قامت به دولة الاحتلال مدعومة بالولايات المتحدة.

كانت إيران الفزّاعة، التي تثيرها دولة الاحتلال ويثيرها "الغرب" الاستعماري، لتحريض دول المنطقة على بعضها البعض، وإثارة التناقضات والصراعات، وكانت ضرورة مواجهة التهديد الإيراني المزعوم الذريعة التي تقف خلفها دعوات الولايات المتحدة لتشكيل "حلف سنّي" تقوده وفي قلبه الدولة العبرية.

وبصراحة شديدة، فلقد استجابت بعض الدول العربية لمثل هذه الدعوات، التي كان من أوّل وأهمّ ثمارها، "اتفاقات أبراهام"، والتي كان من المقدّر أن تشمل العربية السعودية، ودولاً عربية أخرى، لولا "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.

لا تزال الولايات المتحدة تقف خلف هذا الأمل، الذي يقف في طريق تحقيقه، إصرار بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية على مواصلة الحرب العدوانية، ما يعطّل هذه الإمكانية، ويؤجّلها إلى حين انتخاب دونالد ترامب كما يأمل نتنياهو.

وبسبب هذه الفزّاعة وما تثيره من مخاوف لدى بعض الدول العربية جرى سباق تسلّح، استنزف مئات مليارات الدولارات من تلك الدول، وبعض ما حصلت عليه من الولايات المتحدة من الأسلحة قد تقادم، ويحتاج إلى مزيدٍ من المليارات لمجاراة التطور المتسارع في أنواعها.

وخلال ذلك، امتنعت الولايات المتحدة عن تمكين تلك الأنظمة من الحصول على أسلحة هجومية، خوفاً من ارتدادها ضد دولة الاحتلال، وحتى تظلّ تحت رحمة الحماية الأميركية الإسرائيلية.

دولة الاحتلال هي المتورّطة في تقسيم السودان، بين جنوب وشمال، وقد أقامت لها قواعد عسكرية في الجنوب، وتركته تحت طائلة الفقر الشديد.

ودولة الاحتلال، أيضاً، هي التي وقفت ولا تزال تقف خلف بناء "سد النهضة" في إثيوبيا، وسياستها الرافضة للتوصل إلى اتفاق يضمن حقوق مصر والسودان المائية من نهر النيل.

هذه السياسة، التي تستهدف خنق دولتي المصبّ في مصر والسودان، ليست نبت هذه الأيام، فلقد قال أحد زعماء الدولة الصهيونية قبل عقود، إنّ الحروب القادمة هي حروب المياه.

مصر الدولة العربية الأكبر والأقوى، أخذت تستشعر منذ كثير من الوقت المخطّطات التي تستهدفها، سواء من إثيوبيا، أو مما يجري في السودان من صراع دامٍ، أو في جوارها من فلسطين إلى ليبيا، إلى تشاد.

وفيما تستمرّ الحرب على أرض فلسطين من غزّة إلى الضفة و القدس ، وتتضح معها الأهداف التي يرمي نتنياهو إلى تحقيقها، تقوم إثيوبيا بخطوةٍ إستراتيجية تهديدية لا يخطئ أهدافها حتى العقل الخامل.

تقايض إثيوبيا، "الصومال لاند"، بالاعتراف الرسمي بها كإقليم مستقل عن دولة الصومال، مقابل منحها حق إقامة ميناء عنوانه تجاري في ميناء بربرة، وأغراضه عسكرية، من أجل التحكُّم في مضيق باب المندب، من جهة الغرب من اليمن.

يؤشّر هذا السلوك على أنّ تلك القاعدة، ستكون مدعومة من قبل دولة الاحتلال، للتحكّم في الحركة التجارية التي تمرّ عَبر قناة السويس.

هكذا تكون دولة الاحتلال المدعومة أميركياً، قد أكملت الطوق لخنق مصر، من مختلف الجهات، ما حرّك السياسة المصرية في الاتجاه المضاد، حيث أبرمت اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال، وأرسلت ما يزيد على عشرة آلاف من الجنود بالإضافة إلى معدّات حربية لدعم الصومال، وتعزيز قدراتها الدفاعية.

الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي إلى أنقرة كانت ذات أبعاد إستراتيجية إذ تضع الدولتين الأكبر في المنطقة في حالة شراكة، يمكن أن تضعف التهديد القادم من ليبيا، وتؤسّس لعمل مشترك، دفاعي ضد التهديد الإسرائيلي ضد سورية ولبنان والأردن.

وربّما تفسّر هذه التحرّكات صلابة الموقف المصري إزاء إصرار نتنياهو على الاستمرار في احتلال "محور فيلادلفيا"، بما يخالف اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

التوجّه المصري نحو أنقرة، يقف خلفه، أيضاً، الاطمئنان من أنّ تركيا قد غادرت سياسات وإستراتيجيات "الإخوان المسلمين" التي تهدّد الدول العربية، تماماً كما فعلت " حماس " التي غادرت تلك السياسات ودخلت في علاقات ذات مصداقية مع مصر.

تصريحات أردوغان، قد لا تجد ترجمة سريعة، إلّا بحدود تحسين العلاقات مع مصر وسورية الآن، لكنها تؤشّر على سياسة وتوجّهات مخالفة لكونها دولة "أطلسية"، وتضعها في مواجهة مع السياسات الأميركية الإسرائيلية.

هكذا تكون غزّة قد نفضت المزبلة التي كانت تتغطّى بشعارات الحرص على استقرار وأمن المنطقة، وحمايتها من إيران، لتنشر الروائح الكريهة التي تنطوي عليها.

المنطقة، إذاً، على فُوّهة بركان شديد الانفجار، يخرج عن نطاق السيطرة الأميركية الإسرائيلية، ويضع دولة الاحتلال أمام مصير قد يكون مفجعاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد