يحتل موضوع مقاطعة إسرائيل والداعمين لها حيزاً مهماً في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وتغطي مساحات كبيرة من النقاشات في أوساط الرأي العام في العالم العربي وإلى حد ما في العالم الإسلامي، على اعتبار أن المقاطعة سلاح فعال ضد الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
وسيحدث الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية الاحتلال وضرورة زواله، وعدم شرعية الاستيطان وكل ما تقوم به إسرائيل في المناطق المحتلة العام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وأن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالوجود القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم المساعدة لدولة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، صدى كبيراً وسيزيد من حجم مقاطعة المستوطنات والمستوطنين ومن الضغط على إسرائيل. وهذا الرأي سيخدم تفعيل سلاح مقاطعة الاحتلال والاستيطان. ولكن ماذا مع الساحة الداخلية الإسرائيلية، هل يجب علينا مقاطعة كل إسرائيلي بصرف النظر عن مواقفه؟
يميل الكثيرون في الساحة الفلسطينية إلى التعميم في مسألة الاتصال أو اللقاء مع الشخصيات الإسرائيلية على اعتبار أن هذه المسألة مرفوضة وتشكل تطبيعاً مع العدو.
ولا يميز هؤلاء بين من هو مع وقف الحرب وإنهاء الاحتلال وحصول الشعب الفلسطيني على حقه في الحرية والاستقلال في دولة مستقلة على حدود العام 1967، أي حل الدولتين، وبين من يرفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني أو بأي حق من حقوقه في أرض وطنه.
وهذا التعميم في الواقع يخدم حكومة إسرائيل بصورة كبيرة في محاربة كل من يؤيد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وضمان قيام الدولة الفلسطينية. لأن هؤلاء من وجهة نظر اليمين المتطرف في إسرائيل خونة وتجب محاربتهم. حتى لو لم يكن المعممون يقصدون ذلك فهذه هي النتيجة.
لننظر إلى واقعنا اليوم، فغالبية الشعب الفلسطيني الساحقة تؤيد قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران العام 1967، والتوصل إلى حل عادل لكل قضايا الصراع وعلى رأسها قضة اللاجئين.
ولعل البيان الذي صدر عن اجتماع كافة الفصائل الفلسطينية في الصين يعكس هذه الحقيقة دون أي لبس. وبالتالي هناك شبه إجماع على هذا المبدأ. ويعلم الجميع أنه لا يمكن أن يتحقق أي حل يضمن وجود دولة فلسطين دون الاتفاق مع إسرائيل.
ولكي توافق إسرائيل على ذلك نحن بحاجة لممارسة ضغوط كبيرة على المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة.
وهناك نوعان من الضغوط: ضغط دولي خارجي يصل إلى مستوى فرض العقوبات أو التلويح بها بصورة جدية. وقد يشمل هذا أيضاً توفير بعض الحوافز المغرية مثل السلام الإقليمي والتطبيع وغيرها التي تؤمن لإسرائيل مكاسب كبيرة في حال أقدمت على تسوية سياسية سلمية على أساس حل الدولتين، على غرار فكرة التطبيع مع السعودية والدول العربية وفقاً للمبادرة العربية للسلام، وهذا يتطلب وجود حكومة إسرائيلية متزنة غير الحكومة العنصرية القائمة. ووجود ضغط داخلي من الرأي العام الإسرائيلي الذي قد يتأثر بالضغوط الخارجية أو باستمرار الصراع والثمن الذي يدفعه المجتمع الإسرائيلي نتيجة لهذا الوضع الذي يهدد أمن واستقرار إسرائيل ومستقبلها في هذه المنطقة.
هناك نخب لا يستهان بها في إسرائيل ترى في استمرار الاحتلال خطراً وجودياً على الدولة. بل ترى في وجود حكومة بنيامين نتنياهو وسموتريتش وبن غفير تهديداً ليس فقط لمستقبل إسرائيل بل كذلك لبقاء المجتمع الإسرائيلي موحداً وقادراً على التعايش بين مختلف مكوناته. وهؤلاء يعتقدون أنه يجب إسقاط الحكومة الإسرائيلية الحالية وإنهاء الحرب فوراً والذهاب نحو تسوية للصراع على أساس حل الدولتين.
ويمكن رؤية الاجتماع الحاشد الذي تم في تل أبيب في الأول من هذا الشهر، والذي ضم ستة آلاف مواطن إسرائيلي من مختلف منظمات السلام، كتجسيد لوجهة نظر هذه النخب التي تتبنى المواقف آنفة الذكر.
وللأسف فإن عدد الإسرائيليين الذين خرجوا للمطالبة بوقف إطلاق النار في تل أبيب أكثر بكثير من الفلسطينيين الذين خرجوا للتضامن مع غزة .
هؤلاء الإسرائيليون الذين يتبنون مبدأ حل الدولتين هم يحرصون أساساً على مصلحة إسرائيل ولا يتبنون الرواية التاريخية الفلسطينية ونفس الشيء بالنسبة لكل الفلسطينيين الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة فهم لا يتبنون الرواية الصهيونية.
ولكن يلتقي الطرفان على مصلحة واحدة تشكل قاسماً مشتركاً بين الطرفين وهذا جيد، لأنه لن يذهب أحد إلى أي مشروع دون أن يرى فيه مصلحة.
وبناء على ذلك هناك مصلحة وطنية فلسطينية كبرى في تعزيز وتوسيع معسكر السلام الإسرائيلي وجعله قوة كبيرة ضاغطة في المجتمع والسياسة الإسرائيلية.
وهذا لا يتم بمقاطعة هؤلاء بل بتوسيع دائرة الحوار معهم وتقوية خطابهم في الشارع الإسرائيلي وخاصة في إثبات وجود شريك فلسطيني يقبل التسوية على أساس حل الدولتين وليس كما يدعي اليمين المتطرف في إسرائيل بأن الفلسطينيين يريدون القضاء على اليهود.
وللتذكير فقط هناك عدد كبير من اليهود بمن فيهم حملة الجوازات الإسرائيلية يتظاهرون ضد الحرب في أميركا وأوروبا، والذين اقتحموا مبنى الكابيتول في واشنطن كانوا يهوداً، ومعظم ناخبي الحزب الديمقراطي الحاكم من اليهود يعارضون الاستمرار في الحرب وتقديم الدعم لحكومة إسرائيل. والذين أرسلوا رسالة للاتحاد الأوروبي يطالبونه بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين كاملة العضوية هم يهود إسرائيليون.
هؤلاء يجب التعامل معهم كشركاء ويتم التنسيق معهم وليس مقاطعتهم وتجريم من يتواصل معهم.
وفي الواقع نحن بحاجة لمراجعة الكثير من الشعارات والمواقف التي تطلق في كثير من الأحيان على عواهنها ولا تخدمنا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية