75-TRIAL- لأن إسرائيل فشلت بعد أيام من عملية الخليل في الوصول لأي طرف خيط بدأت نظرية المؤامرة تجد طريقها بين الروايات المطروحة عن العملية ويعود ذلك لسببين: الأول هو عجز القوات الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها التي تولد عنها انطباع أنها تعرف دبيب النمل وكيف يفكر كل فلسطيني وبماذا يفكر وطالما أنها عجزت عن إلقاء القبض على الفاعلين، إذاً، ليس هناك عملية فهذه الأجهزة لا يعجز عنها شيء وهذا يعود لقدر من الثقة والخوف والإقرار بالتفوق الإسرائيلي مقابل العقل الفلسطيني وهو ما كتبه إتيان هابر مدير مكتب رابين قبل اغتيال الأخير منتصف التسعينيات عندما كتب ساخرا، "كيف تستطيع عصابة صغيرة أن تتلاعب وتضلل العبقرية الإسرائيلية؟".
والسبب الثاني أن التراث العربي هو المسيطر على نمط تفكيرنا في تفسير الأشياء وهذا التراث المليء بالمسرحيات والمغامرات والكذب والقتل والاستهتار بالإنسان لأن خطف ثلاثة مواطنين عرب يقوم بها أي نظام من أجل تحقيق هدف صغير جدا وكم من المواطنين العرب خطفوا وعذبوا واختفوا في الدول العربية، ولكن الذين يعتقدون بذلك ليسوا مطلين على التجربة الإسرائيلية بتفاصيلها، وكيف تعمل الدولة، ففي إسرائيل، الأمر مختلف وليس هناك من يستطيع تحمل مؤامرة بهذا المستوى ضد يهود لأن انكشافها يعني نهاية مستقبله السياسي وجرا للمحاكم، هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فلا يمكن إجراء مئات الاتصالات مع دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة وطلب مواقف ثم القول لهم إن الأمر كان مجرد كاميرا خفية.
من يستطيع أن يتحمل مسؤولية حبس أنفاس الشارع الإسرائيلي لأيام؟ ثم يكتشف أن هناك من غامر باللعب بعواطف مواطنيه بهذا الشكل، فالمسألة تتفاعل في الداخل الإسرائيلي وقد انتشرت لافتات كبيرة مصورة على مداخل البلدات الكبيرة في إسرائيل فيها دعوة إلى "إعادة الأبناء المخطوفين"، ثم من يستطيع تحمل مسؤولية هذا الإهدار المالي الكبير الذي يتم خلال عملية البحث المستمرة، فهناك ثلاث كتائب من المشاة تشارك يوميا في عملية البحث وتم تجنيد احتياط وهذه كلها عمليات مكلفة لدى جيش أوقف طلعات الطائرات بسبب الأزمة المالية وفي دولة لديها مشكلة في إقرار موازنة 2015 بسبب التقشف وخلافات حادة لأن عليها أن توفر 18 مليار شيكل.
وقد استمع أهالي المستوطنين المفقودين لمكالمة الاستغاثة الأخيرة التي صدرت عن أحدهم، فهناك عملية أسر حقيقية لثلاثة مستوطنين "وهؤلاء هم الجيل الذي يقوم بالاعتداءات اليومية على أراضي المزارعين الفلسطينيين وتكسير سياراتهم وحرق أشجار الزيتون وتمت العملية في ظل ظروف كانت مهيأة تماما لها، فحين توقف حكومة اليمين المتطرف المفاوضات مع الفلسطينيين وتغلق أبواب الأمل لديهم وحين تستمر بالمشروع الاستيطاني وحين ترفض إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى وحين يخوض الأسرى الإداريون وغيرهم إضرابا طويلا عن الطعام وحين تعمل الحكومة على التنكيل بهم من خلال إقرار قانون التغذية القسرية كان لا بد وأن يخرج فلسطيني قائلا، "طفح الكيل يا إسرائيل".
كل هذه الظروف التي تمت خلالها العملية كان لا بد وأن تهيئ وتدفع ببعض الفلسطينيين إلى الانتقام لكرامتهم الوطنية ومن أجل الأسرى ومعاناتهم وأملا بإنجاح صفقة تبادل، فحين لم تطلق إسرائيل سراح الأسرى بالمفاوضات وحين لا تستجيب لمعاناة الإضراب تصبح عملية الأسر هي الأمل الوحيد، فقد هيأت حكومة نتنياهو الظروف للعملية وكان لا بد وأن تتم فمعاناة الأسرى أغلى كثيرا من المستوطنين الذين يشكل وجودهم في الضفة الغربية على الأراضي الفلسطينية مصدر إذلال لكل الفلسطينيين وحيث الصراع يتكثف في الآونة الأخيرة مع إسرائيل حول الاستيطان والمستوطنين وهذه تضرب بعرض الحائط كل الآراء التي تدعو إلى وقف الاستيطان وإزالته كما يريد كل الشعب الفلسطيني.
مخطئ من يعتقد أن إسرائيل ستستمر في احتلال الضفة ونهب أراضيها وتترك مستوطنيها يعيثون فسادا في الأرض دون رد فعل فلسطيني، وتخطئ إسرائيل إذا اعتقدت أن ليس للاحتلال ثمن، فهؤلاء الثلاثة الذين أعلن عن اختفائهم هم ضحية حكومتهم التي أسكنتهم في أرض ليست لهم، وألقت بهم في فم الأسد وهذه هي النتيجة، على المستوطنين أن يعرفوا أن ليس لهم مستقبل في الضفة وعلى الشارع الإسرائيلي أن يحاسب حكومته اليمينية على هذه العملية والتي تسببت لهم بكل هذه المعاناة والألم.
المدهش فيما حصل الذي يجب أن تقرأه إسرائيل وظني أنها لن تفعل هو أن العالم تغير، فهي تتصرف بغير ذلك، فقد خشي الفلسطينيون في بداية العملية من خسارة ما أنجزوه على المستوى الدولي بعد انكشاف إسرائيل بإفشالها للمفاوضات وبدؤوا يحضرون لعزلها عالميا، ولكن المفاجأة أن العالم كان باردا في ردوده تجاه إسرائيل وخاصة أن العمل تم ضد مستوطنين، والموقف الدولي حاسم ضد الاستيطان ولأن إسرائيل على درجة من الانكشاف السياسي والأخلاقي فقد أخرجت لسانها للعالم قبل شهرين عندما أعلنت وقف المفاوضات ضاربة باستهتار كل الجهود الدولية فعملية التسوية كلفت العالم جهدا ومالا ووقتا وليس من السهل أن يقال له "عظم الله أجركم على هذا العمل".
لهذا تعكس ردود الفعل الفاترة دوليا نوعا من التشفي بإسرائيل والاستهتار بها، ألم يقل الرئيس الأميركي قبل شهر في تعليقه على وقف المفاوضات أنه "سيترك الرئيس الفلسطيني ورئيس وزراء إسرائيل ينضجان على مهل" وفي هذا غمز ضد نتنياهو وها هي النار تشتعل في حجره هذه المرة من الخليل علها تساعد في إنضاجه ليدرك أن لا خيارات سوى ما يريده العالم وأن أفضل الحلول هو إطلاق سراح الأسرى بالمفاوضات، فإسرائيل هي من تعطي دروسا لأعدائها وخصومها كيفية إرغامها على إطلاق سراح الأسرى فهي تقول، "نحن دولة لا تستجيب إلا تحت الضغط .. فإذا أردتم أن نجثو على ركبتينا، اخطفوا لنا جنودا أو مواطنين" العملية ضوء أحمر كبير، على تل أبيب أن تتوقف أمامه وتفكر أكثر قبل أن تتحرك وكما آلمها اختفاء ثلاثة مستوطنين عليها أن تدرك أنه يؤلمنا أكثر أبناؤنا الأسرى مع الفارق أن الأسرى الفلسطينيين هم مقاتلو حرية وقيم إنسانية بينما المستوطنون معتدون على الأرض وفقا القانون الدولي .. الاستيطان جريمة حرب هل تفهم ذلك أم أنها تعتقد أن الساعة توقفت منذ عقدين حين كانت الدنيا تحبس أنفاسها على أسر إسرائيلي ويتسابق وزراء الخارجية في العالم على التزلف لإسرائيل .. لقد غادرنا ذلك الزمن والعالم يتشفى بمن يضرب رأسه بالحائط .. هكذا فعلت إسرائيل...!
Atallah.akram@hotmail.com 114

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد