ثمانية أشهر ونصف الشهر مرت على حرب طاحنة، وهي ليست حرباً بالمعنى الدقيق بل إعدام للحياة لا يبدو أن لها مخرجاً في الأفق وضعت جميع الأطراف أمام جملة تعقيدات لا حصر لها، لذا لم يكن من المصادفة أن تتمدد على مساحة الأشهر تلك دون أن يمتلك أي من الأطراف المباشرة أو غير المباشرة مفتاح نهايتها.
ليست ككل الحروب لأنها الوحيدة في كل صراعات التاريخ تخلو من هدف سياسي لنهايتها بالنسبة للطرف الذي يملك إمكانيات التدمير والاستمرار وهنا كان مأزقها الأكبر، فالأطراف جميعها باتت تذهب بحكم الأمر الواقع لا بحكم ما يقتضيه الواقع، بحكم الميدان لا بحكم عقل السياسة، في حين هناك رجل واحد يدفع نحو التأزيم هو بنيامين نتنياهو الذي يصارع الجميع بل وينشر - ما يكفي - سحباً من الدخان لإحداث هذا القدر من الضبابية والتعقيد ليضع الجميع في حالة أزمة شديدة.
الإسرائيليون الذين يحرقون المنطقة هم أول المأزومين، وتتمثل أزمتهم بأن لا الحكومة تمتلك حلاً واقعياً ولا المعارضة تمتلك رؤية تقترب حتى من هذا الواقع وكلاهما متفق على إنهاء وجود حماس ، فالحكومة تريد استمرار الحرب وتريد أيضاً عودة الأسرى كيف يمكن ذلك ؟ معادلة معقدة، والمعارضة تريد إتمام صفقة تبادل واستعادة الأسرى وأيضاً تريد إنهاء حماس.

هنا المعادلة أكثر تعقيداً ففي استمرار الحرب كما تريد الحكومة ما يجعل الصفقة وعودة الأسرى مستحيلة وفي رأي المعارضة صفقة مع إنهاء حماس أكثر استحالة وتلك أزمة تبدو فيها الآراء الإسرائيلية شديدة السذاجة بقطبيها.

وعلى الجانب الآخر تريد إسرائيل وقف ضربات حزب الله من الشمال وإعادة سكان البلدات المحاذية للحدود اللبنانية وبنفس الوقت تريد الاستمرار بالحرب على غزة ، كيف لهذه المعادلة أن تتحقق؟.

ويتجلى المأزق أكثر في عجز إسرائيل أمام الخيارات المتاحة والتي يفرضها الواقع، فلا هي قادرة على تحمل ضربات الحزب ولا هي قادرة على إعلان الحرب وكل يوم يمر يتسبب في نزيف للأمن وتآكل لقوة الردع أمام جميع المتفرجين وهم يشاهدون النقاش في الداخل الإسرائيلي والخوف من الذهاب لحرب تبدو إسرائيل ومواقعها الإستراتيجية شديدة الانكشاف وفقاً لفيديوهات نشرها الحزب.

الولايات المتحدة ثاني المتلعثمين التي يتجسد لديها نفس مأزق إسرائيل بلا قدرة على إيجاد خيارات فهي لا تريد حرباً في الشمال لأن في هذه الحرب ما يصل للمضائق ووصول سعر برميل النفط لثلاثمائة دولار ما يعني هزة قوية للاقتصاد العالمي والأميركي وسقوطاً مروعاً لمرشحي الحزب الديمقراطي وخروج ثنائي بايدن بلينكن من الحياة السياسية بوصمة، ولكنها غير قادرة على وقفها بغزة بعد ربط الحزب للساحتين فكيف يمكن ذلك ؟

وبنفس السياق تريد صفقة وإنهاء الحرب وإنهاء حكم حماس ...! فالصفقة تعني وقف الحرب ومع حماس ما يضمن استمرارها بإدارة غزة لذا يبدو الموقف الأميركي شديد الضعف حد السخرية يزيد بلة طينها التنكيل الذي يمارسه بنيامين نتنياهو لرئيسها.

الفلسطينيون بمجموعهم دخلوا في أزمة لا مخرج لها، بالنسبة لحركة حماس المصدومة من حجم الدمار في غزة وإعدام الحياة هناك والمقتلة الرهيبة التي لم تجر حساباتها بعقل هادئ قبل أن تقوم بعمليتها الكبيرة يتبدى مأزقها بأنها تريد صفقة ووقف الحرب لكنها لا تملك إمكانيات وقفها. كيف يمكن ذلك ؟ تريد عودة الأسرى وضمان البقاء في الحكم، المعادلة ليست سهلة.

أما السلطة فهي في مأزق آخر، فهي عنوان الفلسطينيين لكنها تقف على الجدار خشية من ردة فعل إسرائيلي.

توفرت لها فرصة للاستثمار السياسي لكنها لا تملك من الرصيد في حسابها ما يمكنها من الاستثمار فالإسرائيلي بدأ إجراءاته العقابية ويعلن رفضه لتواجدها في غزة، مثلها مثل حركة حماس تريد أن تعود لغزة لكن الإسرائيلي يرفض ولا اتفاق مع حماس في ظل انقسام مزمن كيف يمكن ذلك ؟

هكذا وجد الجميع نفسه يصطدم بالحائط، كل الأطراف تقف أمام جملة من التعقيدات وبين إراداتها وبين الواقع مساحات تزداد اتساعاً كلما أوغلت الأطراف أكثر في الحرب، فزيادة الخسائر باتت ترفع سقوف التوقعات إلى الدرجة التي أبعدت الجميع عن هذا الواقع فبات الكل معلقاً بلا حبال نجاة، هذا يدعو للتشاؤم والخوف أكثر فكل الحروب لها أهداف سياسية لكن في حروب الانتقام يكون الأمر مختلفاً والدم كثيراً والحل بعيداً، الجميع معلق على الشجرة وأول الجميع من يملك الإمكانيات العسكرية، وفي ظل وجود أسرى تبدو السيناريوهات التي يطرحها بعيدة عن المنطق ولا توفر حلولاً.

هكذا هو الأمر بعيداً عن صخب الميدان الذي يزيد من الكلفة يومياً والتي تتسبب بمزيد من العناد بالنسبة له وليس ككل الحروب التي كانت كلفة الميدان عاملاً حاسماً في استمرار الحرب أو وقفها أما لماذا ؟ لأن إسرائيل هذه المرة أوهمت نفسها أنها تخوض حرباً وجودية.

الاستعصاءات أمام إسرائيل هي التي ت فتح جدالاً صاخباً بل خلافاً حاداً بدا يتسع بين العسكر والسياسة ومن تمظهرات الأزمة أن العسكر هو من يتحدث سياسة وأن السياسة تتحدث بلغة الجنرالات في انقلاب حاد بات يشي بالأزمة.

وهناك ما يمكن قوله أكثر لكن ما هو ظاهر يكفي لقراءة المأزق المركب لدى الجميع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد