بالتفاصيل..سفاح الموساد قرر اغتيال شخصية سياسية رفيعة جدا ومائير رفضت

القدس / سوا / يُعتبر جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة) في إسرائيل أسطورة بالنسبة للصهاينة، الذي يؤكّدون بمناسبة أوْ بغيرها، على أنّه قدراته وأساليبه لا توجد في أيّ جهاز استخبارات آخر في العالم.


المُحلل للشؤون الإستراتيجيّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، رونين بيرغمان، تطرّق في مقالٍ له لمايك هراري، الذي أصبح، على حدّ تعبيره، أسطورةً في تاريخ “قيسارية” وهي شعبة العمليات الخاصّة في الموساد. وساق قائلاً إنّه إلى جانب الحرص الذي لا هوادة فيه على التفاصيل، والصرامة التنفيذية، ومعرفة الميدان والسير مع مقاتليه كتفًا إلى كتف، اعتُبر هراري أيضًا قائدًا محبوبًا، لافتًا إلى أنّه اعتزل الخدمة في الموساد في 1980 ولكن مرؤوسوه ظلّوا يستشيرونه حتى آخر أيامه واستعانوا به في كثير من القرارات التي اتخذوها.


وتابع بيرغمان قائلاً إنّه بعد نشوء الدولة العبريّة خدم هراري في سلسلة وظائف في “الشاباك”، وكان كان مسؤولاً عن الأمن في سفارات إسرائيل في العالم، وبعد أنْ كشف عن أجهزة تنصت في مفوضيات إسرائيل في شرق أوروبا حاول الـ كي.جي.بي، مخابرات الاتحاد السوفياتي، أنْ يُسممه فنجا هراري واستمر في خدمته. وقد جندّ عملاء في إطار الموساد ودُعي إلى إعادة إنشاء “قيسارية”، التي هي قدس أقداس الموساد، بعد سلسلة ضربات أصابته في ستينيات القرن الماضي.


هراري ابتعد عن الأضواء، وكانت المقابلة الوحيدة التي أدلى بها في نيسان (أبريل) من العام الماضي لصحيفة (يديعوت أحرونوت)، حيث قال: كان يجب عليّ أنْ أُغيّر سلوك قيسارية. وتحت إمرته خرجت الشعبة لتأدية سلسلة عمليات اغتيال لقادة الـ”إرهاب” ومنهم المسؤولون عن قتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونيخ في 1972. وبلغت تلك العمليات ذروتها في “ربيع الشباب”، وهو العملية المشتركة مع دورية هيئة القيادة العامة في بيروت، والتي استُشهد فيها كمال عدوان، كمال ناصر وأبو يوسف النجار، وأفضت المعلومات الاستخبارية التي قدمتها “قيسارية” أيضًا إلى نجاح عملية عنتيبة في 1976 إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين في الطائرة التي اختطفتها مجموعة فلسطينيّة.


وأحدثت العمليات الجريئة، قال بيرغمان، التي أدهشت العالم كلّه الأسطورة عن قوة الاستخبارات الإسرائيلية غير المحدودة وجعلت مايك هراري أسطورة في حياته، على حدّ تعبيره. وبحسب بيرغمان، حرص هراري في أكثر العمليات على أنْ يكون موجودا بنفسه في الميدان. وقال هراري في المقابلة الوحيدة: كان يجب أنْ تكون سلطة قيادية رفيعة المستوى في الميدان، وكانت لي ميزتان لم استطع التخلي عنهما، الأولى معرفة الميدان. وفي بعض الأماكن التي عملنا فيها لم يكن أحد في جهاز الموساد كله يعرفها أفضل مني. وقد سلكت وعملت بصورة سرية في روما حتى في 1948 حتى إنهم في كل مرة كانوا يحتاجون فيها إلى مكتب أو مكان صالح لاستئجار دراجة نارية كنت أعلم إلى أين أوجه المقاتلين ووفرت زمنا ثمينًا. كان هراري قائدًا خاف منه الجميع.


وقد حرص على دقائق المظهر الخارجي لرجاله في الميدان إلى درجة الحرص على البدلة والعطر. كما حرص على كل التفاصيل العملياتية. وقام في أساس ذلك الحرص نجاح “قيسارية” المُدير للرؤوس فيما لا يحصى من العمليات التي لم ينشر أكثرها إلى اليوم، مع القدرة التي أظهرها هراري على المس بشخصية من الشرق الأوسط رفيعة المُستوى جدًا في ايلول 1970.


ولم تأذن غولدا مئير بتنفيذ الاغتيال لكن هراري برهن على أنّه ممكن. وقد بلغ رجاله إلى مسافة طلقة عن ذلك الشخص الذي لو كانت إصابته لكانت غيرّت تاريخ الشرق الأوسط، على حدّ قول المُحلل. وأضاف: رافقت وصمتان حياة هراري المهنية: كانت الوصمة الأولى الاغتيال الخاطئ في النرويج 1972 حينما أصاب رجاله النادل احمد بوشيكي بدل الـ”إرهابيّ” الكبير علي حسن سلامة، وعلى إثر الفشل طلب هراري الاستقالة لكن رئيسة الوزراء غولدا مئير رفضت قبول استقالته. وتابع بيرغمان: علقت الوصمة الثانية بهراري على غير ذنب منه، فقد طُلب إليه في ثمانينيات القرن الماضي أنْ يستمر بصفته مدنيًا على العلاقات السرية بين إسرائيل وحاكم بنما مانويل نورييغا، وورط نفسه لغير صالحه في مواجهة بين الولايات المتحدة وبنما أفضت إلى الاجتياح الأمريكي والى اعتقال نورييغا.


وتخلص هراري من هناك بصعوبة، لكن الإشارات إلى أنه كأنمّا كان مشاركًا في أعمال الطاغية التي لا تجوز، بقيت مثل وصمة في جلده. وكشف بيرغمان النقاب أنّه خلال اللقاء الصحافي الذي أجراه مع هراري، وضع الأخير في صالون بيته مسدسًا حصل عليه مع تركه الموساد، وهو المسدس الذي استخدم في عدد كبير من الاغتيالات في أوروبا، لكن عندما التقطنا له صورًا في المقابلة الحصرية حرص هراري على إخفاء المسدس، وقال مُفسّرًا: لم نكن قتلة قط. فعلنا ما كان يجب علينا فعله للدفاع عن دولة إسرائيل، على حدّ تعبيره. وبعد موته نعاه وزير الأمن الإسرائيليّ موشيه يعالون في بيان، بوصفه رجل الموساد المبدع. وقال يعالون بهذا الخصوص: إنّ تأثير مايك هراري على الموساد وأجيال من المناضلين ملموس حتى اليوم، وسيبقى كذلك لسنوات طويلة، بحسب تعبيره.


وخُلاصة حياته، من وجهة نظر الإسرائيليين: اشتهر بين الإسرائيليين بلقبين، الأول هو بطل الموساد بسبب مساهماته وأعماله الجليلة في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، والثاني هو جيمس بوند الصهيونيّ، بسبب كثرة الأفلام والكتب والروايات التي تناولت قصة حياته والعمليات التي نفذها خلال عمله بالموساد. أمّا بالنسبة للفلسطينيين والعرب بصفةٍ عامةٍ، فاشتهر بينهم بلقب سفّاح الموساد بسبب كثرة الجرائم والاغتيالات التي ارتكبها بحق السياسيين والفدائيين الفلسطينيين والعرب.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد