أثار اهتمامي بشدة المقال المهم الذي كتبه الباحث والصديق الدكتور مجدي شقورة قبل أيام والذي أهاب فيه بالرئيس محمود عباس ألا يسارع في إعادة ترميم منزل عائلة دوابشة الذي أحرقه المستوطنون، وأن يجعل من هذا المنزل "مزاراً" يؤمه ضيوف فلسطين، و"شاهداً" على جرائم المستوطنين وارهابهم، وأن يعطي تعليماته لأجهزة الإعلام الوطني والحزبي والأهلي بأن تستخدم مصطلح "الارهاب الاستيطاني" في وصف جرائم المستوطنين في الضفة الغربية.


في أعقاب استشهاد والد الشهيد الرضيع علي دوابشة، وفي ظل الحالة الخطيرة والاستثنائية التي تمر بها والدة الطفل في المستشفى، وبعد أن انهار البناء الأسري لهؤلاء الضحايا الذين دفعوا أرواحهم ثمناً لإرهاب المستوطنين، نظن أنه يتوجب علينا أن نسدي نصيحة للرئيس محمود عباس، نزيد فيها على ما اقترحه الدكتور مجدي شقورة، ونطالب بتنظيم مسيرة لرؤساء الدول، تنديداً بالإرهاب الاستيطاني، خصوصاً أن حادثة قتل العائلة حرقاً لا تختلف كثيراً عن حادثة القتل في شارلي ايبدو الفرنسية، فكلتا الجريمتين تمتا لأسباب عرقية ودينية واثنية وطائفية، وكلتاهما عمل إرهابي مدان، وكلتاهما تستوجبان أقوى عبارات التضامن الرسمي والشعبي، وكلتاهما تستحقان الشجب والتنديد والاستنكار، وبالتأكيد فإن الدم الفرنسي ليس أغلى من الدم الفلسطيني، وبالتأكيد فإن الدم الإسرائيلي ليس أغلى من الدم الفلسطيني، وبالأخص أن الضحايا هم من الأطفال والمدنيين الأبرياء، كما أنهم قتلوا لأنهم يعيشون في أرضهم من قبل أجانب يرغبون بطردهم منها.


وعليه، فإن مؤسسة الرئاسة مدعوّة اليوم قبل الغد إلى دعوة قادة العالم ودعوة المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية والنشطاء التحررين في مختلف بقاع العالم إلى المشاركة في مسيرة تنطلق من منزل الشهيد دوابشة وتنتهي أمام ضريح الشهيد الطفل ووالده، وإذا لم يستجب العالم كله لهذه الدعوة فإنه يظهر عندها عجزه عن مواجهة الإرهاب الاستيطاني، ويظهر فشله في وقف غول الاستيطان، ويدلل على نفاقه السياسي، بما يؤسس لدبلوماسية "يا وحدنا" في مواجهة الصلف الإسرائيلي، والخطط الاستيطانية التي لم تتوقف منذ نشأة الاحتلال البغيض فوق الأرض الفلسطينية.


إن هذا النوع من المواجهات مع الاحتلال، باعتباره الراعي الرئيسي والممول والداعم للأنشطة الاستيطانية، هو الذي يمكن له أن يثمر في مواجهة إسرائيل، أما أن ننتهج سبيل التنديد والاستنكار والرفض والغضب والولولة والنحيب، فإنه لن يثني قادة إسرائيل عن مواصلة نهجها الذي يقوّض حل الدولتين ولا يدع فرصة ولو ضئيلة للتعايش على هذه الأرض، وهو يحمل معه دعوة مفتوحة إلى مواجهة سيطول أجلها، ولن تنتهي إلا بزوال أحد طرفي الصراع، كما أن هذا النوع من المواجهات وحده القادر على جذب الانتباه أكثر إلى التخريب الذي تمارسه إسرائيل بحق عملية التسوية، ويجعل قادة العالم أكثر قرباً مكانياً من الجريمة، حيث تخفي ماكنة الدعاية الإسرائيلية حجم الجريمة وتتحدث عن مدنيين يعيشون بتسامح وسلام مع جيرانهم من أصحاب الأرض الفلسطينيين، وهي أكذوبة تدحضها الشواهد على قبح جرائم المحتلين على مدار اليوم والليلة بحق كل ما هو فلسطيني على هذه الأرض.


ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد