المهزلة تتواصل، لا شيء يعترض طريقها. «داعش» تتوسع وتنتشر أفقيا وعامودياً، وتعمل على قوننة وتنظيم المناطق التي تسيطر عليها، ثقة في المستقبل؛ المؤسس على رؤيتها الاستراتيجية.
تنظيم داعش، لا يكف عن مفاجأتنا بجديده وابتكاراته في إرساء دعامات دولة الدماء. وفي جديده، يعلن التنظيم عن قائمة أسعار بيع النساء، من السبايا والمختطفات، تبدأ بمئة وواحد وستين دولاراً للفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن العشر سنوات، وسقف سعر المراهقات محددٌ بمئة وأربعة وعشرين دولاراً، وتنتهي القائمة إلى تحديد سعر من تجاوزن الأربعين عاما بواحد وأربعين دولاراً.
الموضوع يتجاوز العرض الرخيص بأسعار المتاجرة بالنساء، فالموضوع برمته يتميز بالرخص الآثم. بل ما يلفتني المرونة التي يتميز بها حكام الدولة، وفتحهم الخيارات المتعددة لتنظيم سوق النخاسة. الأسعار المعلنة في القائمة ليست قطعية أو نهائية، بل ترتبط بحركة السوق وقوانين العرض والطلب، مع التزام هادف بمعايير ومواصفات مفصَّلة في «وثيقة أسعار سوق بيع الغنائم»، الدين والعرق والعمر، العازبات والنساء والطفلات.. إلى آخره من تفاصيل البضاعة: الإثنية والعرقية والدينية، كل له سعر وحساب من أجل ضبط السوق وتنظيمه ومنها النص على حق المالك في البيع والشراء والتبادل؛ البيع المتكرر وصولا إلى بيعها لأهلها، الاتجار بالنساء.
كل صغيرة وكبيرة، محسوب حسابها، المهم أن تخدم توضيح النزعة الأصولية للجماعة: المعتقدات الوهابية في الكفة الأولى، ودونية النساء ومكانتهن وحدودهن وفي الكفة الثانية. كل شيء منضبط لعقيدة وشهوات أمراء المؤمنين، وما يعجزوا عن تسويغه عقائدياً؛ يتكفله مُفْتون جاهزون لتطويع وتحريك الثوابت من مكانها.. لخدمة الرؤية الاستراتيجية ممثلة ببناء «داعش» بلا حدود.
ازدواجية التشدد والمرونة سياسة متبعة في دولة «داعش»، التشدد في العقيدة، والمرونة في ممارسة أحكامها وقواعدها على الصعيد الداخلي. والدليل على ما أذهب إليه، السمة المرنة «الديماغوجية» للاشتقاقات والاجتهادات التي يتوصل لها المُفْتون. إن ما حمله أحد المناشير، المُوَزَّع في أحد أيام الجمع على المصلين، بخصوص التمتع والسبايا؛ أكبر برهان، ومنها جواز إتاحة الجمع بين الأختين أو السبية وعمتها أو السبية وخالتها، وذلك لجميع الكافرات أو الكتابيات حسب المنشور، لكونهن من الغنائم التي غنمها المسلمون في الحرب..أي خروج فادح على الدين؟!
النساء واحدة من أهم الأعمدة التي يستند عليها «الدواعش» في رؤيتهم، ويشكلن أحد أهم أدوات الاستقطاب المغناطيسية، ولا بأس من استخدامهن في الدفاع عن السياسات الإشكالية وفي قلبها مكانة المرأة. حيث تقول «أم سمية» أشهر «الداعشيات» في معرض دفاعها عن السبي: «أن عددا من النساء المسبيّات دخلن الإسلام بإرادتهن وبعضهن أصبحن حوامل»، وتضيف: «السبايا أفضل من العاهرات الموجودات في «دول الكفار».
القائدة «أم سمية» تتجاهل عودة نساء حوامل الى بلادهن بعد تأدية جهاد النكاح، ووضعن مواليد مجهولي النسب، وهذا مثبت في تصريح وزير الداخلية في تونس، على الأقل. ويزلّ لسان المرأة وتقر مفتخرة إعادة «داعش» عصر الرقيق والعبيد: «قمنا بالقبض على نساء الكفار وسقناهن بحد السيف كالغنم..أسواق العبيد ستنتشر رغماً عن إرادة الجميع!».
عين دولة الخلافة في العراق والشام على المستقبل بأفق موغل في الماضي، ضمن منظور استراتيجي قائم على رسالتها بإقامة البنية الاجتماعية التحتية للنظام: العائلة والمجتمع والقوانين والمستشفيات والمدارس والجامعات والأسواق. من أجل الحفاظ على ديمومة « الدولة السوداء»، وتمكينها من التطور والترسخ، وإغراء مزيد المتطوعين من القماشة الشيطانية، وتجنيد المزيد من الذكور المهووسين بالقتل والجنس، وتواصل تدفقهم. كغاية سامية لا يسمو عليها شيء، وهي ذات الرؤية التي انطلقوا من على منصتها إلى اختراع قصة «جهاد النكاح» والغنائم ممثلة بخطف النساء.
آخر الكلام، هل نحن بمنأى عن تطلع «داعش» إلى توسيع نطاق دولتها، هل تمنع معابر الاحتلال وجدرانه تسرب الدواعش إلى البلد؟ أم أن الفكر الداعشي الذي لا يمنعه الحصار من الدخول قد بدأت طلائعه تعلن عن ذاتها في غزة رسمياً، وفي الضفة الذي يمكن رصده وتلمسه في النقاشات المحتدمة، سواء عن قناعة أيديولوجية أو يأساً وقهراً وتأففا من الواقع كأحد ردود فعل الانتقام من الذات..
الطريق الى محاربة «داعش» فكريا بحاجة إلى رؤية بديلة، تقف بمواجهة رؤية السلفيين الموجودين بيننا، وقد رأينا نتاجه في قانون التعليم الجديد المقر من «التشريعي» في غزة..يقولون: لم يروه بأم عيونهم ولكن عرفوه بعقولهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية