مع أبلغ الأسف وأشده، ما زال بعض الفاسدين والمستفيدين والمنافقين والبؤساء والضعفاء  والعاجزين والجهلاء واليائسين والتائهين والتافهين يدافع عن أوسلو التي ما كانت إلا نكبة حقيقية تضاءلت أمامها كل ما تتالى على شعبنا من نكبات  كانت باكورتها التي توصف بأنها "أم النكبات"، عام 1948، على أن ما لدينا من حجة على ما نحن ذاهبون إليه من رأي، ها نحن نأتي عليه--بغية التيسير--في نقاط، على النحو الٱتي:

(01) بموجب اوسلو، تم التنازل عن حقنا التاريخي في 78% من أرض فلسطين، وهو حق  لم يفوض في التصرف فيه او في التنازل عنه أحد، الأمر الذي أصاب-في مقتل- أهم ثابت من ثوابت شعبنا وأمتينا العربية والإسلامية.
(03) اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة الاحتلال، وبحقها في الوجود، مقابل اعتراف دولة الاحتلال بمنظمة التحرير، دون اعترافها بحق شعب فلسطين في الوجود، ودون الاعتراف بحقه في دولة مستقلة على أرض وطنه.
(03) رضوخ القيادة الفلسطينية إلى الإملاءات الصهيو/أمريكية في شأن تغيير الميثاق، فقامت بإلغاء كل مادة أو لفظ أو كلمة تتصل
 بالتحرير والعودةوالقتال حتى أن تعبير "الكفاح المسلح" لم يعد في الميثاق موجودا، إذ اجتث منه اجتثاثا.
(04) تم تفريغ منظمة التحرير من محتواها الثوري والوطني، فلم تعد منظمة "للتحرير" ولا "للعودة" ولا "للكفاح المسلح", بل تحولت إلى تابع للسلطة أو ذيل او أداة لها أو أصغر جيب من جيوبها، بدلا من أن تكون على رأسها، الموجه لها والمقرر فيها.
(05) لم تحترم المنظمة شعبها وفرضت عليه إرادتها قهرا، فلم تستفته حول اتفاق اوسلو، بل بلغت مبلغ الاستهتار به حتى أنها لم تفكر، أبدا، في مجرد استطلاع رأيه.
(06) حولت أوسلو القيادة  الثورية للمنظمة إلى قيادة تحت الاحتلال تنصاع لأوامره، تسير على هواه، وتنفذ ما يراه، فتقوم على رعاية وتدقيق عمليات الإلغاء وتغيير الصياغة وضبطها في الميثاق، والالتزام بمسطرة إلحاق والتحاق من يرغب إلى منظمة التحرير، وهي مسطرة التسليم بالميثاق الأوسلوي الجديد الذي قضى على حق العودة ضمن ما قضى عليه من ركائز وأهداف أخرى أشد التصاقا بشعبنا وقضيته.
(07) ضاءلت أوسلو المشروع الوطني للشعب الفلسطيني (من البحر إلى النهر) إلى دولة غير متصلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، مرتهنة بالاحتلال من حيث الإرادة والإملاءات والإدارة والرفض والقبول. 
(08) في اوسلو، تم تجريد الشعب الفلسطيني من أهم حق من حقوقه في مقاومة الاحتلال الجاثم على ارضه، حيث تم إلغاء "الكفاح المسلح"  من قاموسه الثوري-"الميثاق الوطني الفلسطيني". هذا، وقد التزمت قيادة المنظمة--طبقا لأوسلو--بملاحقة أي شكل من أشكال المقاومة، بل تعهدت بتفكيكها وسجن عناصرها بذريعة تسببهم في تعطيل وهم إقامة الدولة الفلسطينية.
لقد تم، في أوسلو، التأسيس إلى ما يمكن تسميته"مقاومة المقاومة", تذرعا بالمحافظة على أولويات وهمية على درب فتح مجالات أكثر واوسع، فيها من الوهم أكثر مما فيها من الحقيقة والواقع.
(09) في اوسلو، تم إرساء أسس تضخيم وتعظيم دور السلطة على حساب تهميش وتقزيم دور المنظمة التي أصبحت مجرد زاوية صغيرة مهمشة في جيب من أصغر جيوب السلطة.
(10) في اوسلو، دقت الاسس لاستدراج وسحب قيادةمنظمة التحرير التي كانت تتحرك في الخارج وفق إرادتها ومصلحتها الثورية الوطنية إلى الداخل حيث لا تتحرك إلا وفق إرادة الاحتلال الاستعمارية التي أصبحت الأساس في كل أمر حتى من حيث السفر او منعه او عقد اجتماع أو إلغائه، أو الاطلاع على مواده ومبتغاه ومضمونه وجدواه، بغية منح التصريح او منعه.
(11) في اوسلو، كان تعهد السلطة والتزامها بأن تبقى أجهزتها الأمنية في ركاب دولة الاحتلال، طوعا لجيشها، في مراقبة وضبط وملاحقة  المقاومة ومطاردة عناصرها واعتقالهم من خلال التنسيق الأمني، حاملة في ذلك عن كاهل الاحتلال عناء ملاحقة المقاومة واعتقال عناصرها او قتلهم، فضلا عن عناء تصريف شؤون الحياة اليومية.
(12) في اوسلو، تم التأسيس إلى أكبر انقسام في الشعب الفلسطيني، حيث انفرد فصيل فلسطيني لوحده بقرار مصيري فقدم تنازلا تاريخيا عن معظم فلسطين، مدخلا بذلك الوضع  الفلسطيني في انقسام خطير، بل هو الأخطر على الإطلاق، نظرا لما خلق من اختلاف على ثابت بقي من بين الثوابت المحفورة  في المخ الفلسطيني الجمعي، مفاده ان "فلسطين من البحر إلى النهر".
(13) لقد ادت أوسلو وانعدام الرضا عنها إلى بروز معارضة قوية عبرت عنها-بقوة-عشرة فصائل فلسطينية، الأمر الذي انتج أكبر وأخطر انقسام على المستوى الفلسطيني. 
(14) بموجب أوسلو، أعطيت دولة الاحتلال شرعية وجود متعددة الوجوه والأشكال والصياغات بعد ان لم يكن لديها اي نوع من أي شرعية تثبت ان لها حقا في سنتيمتر واحد من أرض فلسطين، حتى أن قرار التقسيم--الذي منح الفلسطينيون بمقتضاه 45% من ارض فلسطين--لم يكن مؤيدا بأي سند رسمي معتمد، فضلا عن ان العرب والمسلمين قد رفضوه، مستندين في ذلك على حقيقة ثابتة وقناعة راسخة تقضي بأن من أصدر هذا القرار-وهو الأمم المتحدة- لم يكن هو صاحب هذه الأرض الأصلي والشرعي والطبيعي. وفوق ذلك، فإن اعتراف الدول بإسرائيل، والاعتراف الأممي بها لم يمنحاها شرعية سياسية أو شرعيةالسيطرةعلى الأرض، وذلك لأن القرار الأممي ارتبط  بشرطين متلازمين هما عودة اللاجئين إلى ما هجروا بالقوة منه، وقيام دولة فلسطينية، وهو ما لم يتحقق حتى يومنا هذا. وإضافة إلى ما سبق حول شرعية/عدم شرعية الاحتلال، فإنه لا شرعية لدولة الاحتلال بمقتضى القانون الدولي. غير ان منظمة التحرير الفلسطينية هي من منح للاحتلال شرعية  
حينما اعترفت في الجزائر عام 1982 بالقرارين 242 و 338، لا سيما وإن هذين القرارين قد استحالا جزءا مهما من ملفات ووثاىق رسمية تم البناء عليها في أوسلو 1993، الأمر الذي منح-بل ثبت-شرعية الاحتلال، من خلال هذا التنازل المجاني عن الحق الفلسطيني في 78% من الأرض الفلسطينية، والذي تم بمقتضاه تحويل أوضاع   الحقوق الفلسطينية من حقوق مؤكدة وثابتة إلى حقوق يمكن التفاوض عليها، وكأن الموقعين على اوسلو هم أصحاب الأرض على الرغم من عدم موافقة صاحب الأرض الأصيل، وهو شعب فلسطين، الذي لم يفوض -ولم ينب-عنه احدا.
(15) لقد قسمت اوسلو شعبنا إلى قسمين او بالأحرى جعلته من درجتين إحداهما لكل من يوقع على وثيقة "نبذ الإرهاب والالتزام بالسلام" التي تشمل الأسرى الذين يوقعون على هذه الوثيقة عند الإفراج عنهم.  الموقعون على هذه الوثيقة يوصفون بأنهم مواطنو الدرجة الأولى- مواطنون صالحون ومثاليون- بناء على مسطرة التقييم والتصنيف الاحتلالية. أما أصحاب الدرجة الثانية- طبقا لمعايير الاحتلال- فهم من يرفضون التوقيع على هذه الوثيقة فيوصفون بأنهم خارج دائرة "المثاليةوالصلاح"، فيوضعون في خانة "الإرهاب"، الأمر الموجب إلى التنكيل بهم، انتقاما منهم. وهكذا، يمكننا ان نرى-- طبقا للوثائق الفلسطينية الرسمية-- كيف قسمت أوسلو شعبنا  قسمين أو جعلته في درجتين: "صالح"و"غير صالح"، وذلك بعد أن كان على مدى  تاريخه شعبا واحدا موحدا. 
(16) بتوقيع قيادة المنظمة على اتفاق اوسلو، فتح باب التنازلات الفلسطينية والعربية والإسلامية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية كامب ديفيد لم تمنح دولة الاحتلال أي حق او شرعية على مستوى القضية الفلسطينية، وفوق ذلك، فإن هذه الاتفاقية قد بقيت بمنٱى عن الشعب المصري الذي أراد- بأحزابه ونخبه من الأكاديميين والمثقفين-ان يبقيها محصورة ومحددة في مستواها الرسمي الحكومي، معتبرا إياها وكأنها --على المستوى السياسي--من الممنوعات او المحظورات أو المحرمات. 
هذا، وتجدر الإشارة فيما نحن فيه، الٱن، إلى أنه قبل اوسلو، لم تجرؤ اي دولة عربية أن تعترف بدولة الاحتلال، حتى ان مجموع الدول التي كانت تعترف بمنظمة التحرير يفوق عدد الدول التي كانت تعترف بإسرائيل. غير انه بعد توقيع الاتفاق الفلسطيني/الاسرائيلي في أوسلو، فقد انفرط العقد الفلسطيني/العربي، إذ فتح كل ما كان مغلقا من منافذ وأبواب حطمت مغاليقها، وصار درب الركض بل العدو او (الإسهال) نحو دولة الاحتلال سالكا دون معطل او معيق، فلم يعد في مكنة الفلسطيني ان يطالب أخاه العربي بمواصلة مقاطعته لدولة الاحتلال وعدم اعترافه بها، فيما يرى الفلسطيني وهو يهرول نحوها متصالحا معها، خاطبا ودها، معترفا بكيانيتها وبوجودها، إذ أن من الطبيعي للعاقل والفاهم ألا "يكون ملكيا أكثر من الملك"!!!
(17) وارتباطا بالبند السابق، فإن اوسلو عبدت للاحتلال دروبه، حيث كان شعبنا، قبل أوسلو، يخوض مقاومة على أعظم وأشرس مستوى في غمار انتفاضة شعبية شاملة هي الأعنف والأقوى والأشرس  والأعتى. كانت انتفاضة قلبت كل موازين الاحتلال وحلفائه، كما أفشلت حساباتهم وحطمت نظرياتهم. أما اليوم-بعد أوسلو- فشعبنا يعاني الانقسام ويكابد مرارته ليس بين الضفة الغربية وقطاع غزة فحسب، وإنما في الضفة ذاتها حيث يعيش شعبنا إما في قرى منفصلة ومعزولة، او في أماكن محاطة بالمعازل والمحطات الاحتلالية أو البؤر الاستيطانية والمستوطنات.
(18) بعد اوسلو، تضاعف عدد المستوطنين عدة مرات إلى أن بلغ أكثر من ثلاثة أرباع مليون مستوطن، ما يعني زيادة حجم  الاستيطان الذي يستقطع من الأرض الفلسطينية كي يواكب الزيادة المضطردة في أعداد المستوطنين التي لم تكن قد بلغت 100 ألف مستوطن، قبل اوسلو.
(19) في أوسلو، تم تخطي قرار التقسيم رقم 181 الذي منح للدولة اليهودية 55٪ من أرض فلسطين، فيما تنازلت القيادة الفلسطينية في اوسلو عن 78٪ من أرض فلسطين، الأمر الذي أدى إلى التسليم بتقسيم مدينة القدس إلى قسمين: القدس الشرقية، والقدس الغربية، ضمن مجانية  التنازلات والمنح والعطاءات.
(20) من الخبائث التي جلبتها أوسلو، إلغاء قرارالأمم المتحدة 3379 الصادر في 10 نوفمبر 1975 القاضي بأن الصهيونية هي العنصرية باعتبارها شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، حيث صدر في 16 ديسمبر 1991 القرار 46/86 الذي ألغي بموجبه قرار مساواة الصهيونيةبالعنصرية، استجابة لشرط إسرائيل كي توافق على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام، وذلك توطئة لإنجاز اتفاق أوسلو.
(21) من خبائث أوسلو، أيضا، أنها مهدت للتنازل والتطبيع، فكانت اتفاقية وادي عربة في 26 أكتوبر 1994 بين الأردن ودولة الاحتلال، أي بعد أقل من عام على اتفاق أوسلو. 

 

وبعد، فأما أولئك الذين جعلوا اتفاق أوسلو أغنية طافحة بكل المحاسن والفضائل والبركات، فإنني أقول: كم أني أعجب لهم إذ يفهمون الأمور ويرونها على غير ما هي في حقيقتها، حيث يرون السيئات حسنات والخبائث والخيبات بركات!!!

وعن الرد على أولئك وأمثالهم، فإنه مختصر ويسير: فإن كان الإنجاز الأكبر والأبرز والأخطر, من بين ما هو مدعى به من إنجازات اتفاق أوسلو، أنه أعاد القيادة الفلسطينية، إلى أرض الوطن، مع الٱلاف من الشعب الفلسطيني تمهيدا  لانطلاقهم نحو استكمال مشوار التحرير و مسيرة العودة ، فقد كان من الأوفى والأجدر والأجدى أن من تيقن أنه اضعف من ان يسترد حقه المستلب منه على نحو سليم صحيح ومباشر ومشروع، من خلال ممارسته حقا عليه إجماع رباعي: عربي- إسلامي-دولي-وإنساني/دولي، فإنه لا يجوز له فقط-بل يعيبه أيضا-أن يباهي ويفاخر بفعل ليس فعله هو، بل بفعل صاغه عدوه ثم أعانه عليه على نحو أحكم من خلاله قبضته عليه. 

هذا، وإن ما يجدر ذكره في سياق ما نحن  فيه، أن هذه الإنجازات-كما يحلو للبعض أن يصفها ويشدو بها--لا تبرر في أي حال--ما شهدناه ونشهده من تنازل مفجع وخطير عن حق لنا لا تنازل-ألبتة-عنه ولا مساومة عليه، وفي مقدمته حق شعبنا في  كامل أرض وطنه، وحقه في تقرير مصيره، وحقه في احتضان مقدساته وإدارتها وحمايتها والإشراف عليها، وحقه في العودة وفي دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني.

أما ٱخر الكلام، فإن اتفاقية أوسلو--بكل ما فيها من خبائث وخيبات بينها التنسيق الأمني (المقدس) ومن أهمها--إنما هي في الأصل مصلحة إسرائيلية خالصة ما كانت لتكون إلا على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد