بعد مرور نصف عام على حرب غزة - هل حققت إسرائيل أهدافها؟
بعد مرور ستة أشهر على الحرب على غزة ، اليوم الأحد 7 أبريل 2024 ، يبدو أن إسرائيل لم تحقق أي هدف إستراتيجي فيها، وإنما كررت تنفيذ خططها العسكرية التي نفذتها في حروبها على قطاع غزة، وكذلك على لبنان، في العقدين الماضيين، بهجمات أدت إلى قتل مدنيين وتدمير مبان وبنية تحتية، ولكن بشكل أوسع بكثير في الحرب الحالية.
لم تحقق إسرائيل بعد نصف سنة شيئا من أهدافها المعلنة. لم تقض على حركة حماس ولا على قدراتها العسكرية ولا على قدرتها على الحكم. ولا يبدو أن بإمكان إسرائيل إنجاز هدفها هذا. ويجمع المحللون الإسرائيليون على أن هذا الهدف الإسرائيلي ليس قابلا للإنجاز، وأن "سقف التوقعات" في هذه الناحية كان مرتفعا.
ولم تحقق إسرائيل هدفها الثاني في الحرب، وهو إعادة جميع الرهائن، من خلال مناورتها البرية في القطاع. ولا يزال 134 رهينة إسرائيلية في القطاع، وعودتهم ليست متوقعة بدون اتفاق تبادل أسرى وبدون موافقة إسرائيل على مطلب حماس بوقف الحرب وانسحاب جيشها من القطاع كله.
وأظهر استطلاع نشرته صحيفة "معاريف"، اليوم، أنه بعد نصف عام على الحرب بنظرة عامة إليها، فإن 62% من الإسرائيليين إنهم غير راضين من نتائجها، بينما قال 29% إنهم راضون من نتائج الحرب، لكن معظمهم من ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني.
ويوجه إصبع الاتهام في إسرائيل إلى نتنياهو كمسبب أساسي لعرقلة مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار الجارية في الدوحة والقاهرة، خوفا من سقوط حكومته بسبب معارضة وزيري اليمين المتطرف، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وقف الحرب.
ورغم عودة قسم من الإسرائيليين إلى بيوتهم في "غلاف غزة"، إلا أن قرابة 80 ألفا من سكان بلدات شمال إسرائيل القريبة من الحدود اللبنانية لم يعودوا إليها، لتشكل هذا المنطقة "حزاما أمنيا" لحزب الله داخل إسرائيل، حسبما يصف ذلك الإسرائيليون أنفسهم. وفي هذه الأثناء يتواصل القصف المتبادل بين الجيش الإسرائيلي وبين حزب الله وفصائل فلسطينية في لبنان. ويعلن حزب الله أن تبادل القصف هذا سيتوقف لدى انتهاء الحرب على غزة.
والأسبوع الماضي، أدخلت إسرائيل إيران إلى هذا الصراع الواسع، باغتيال قادة في الحرس الثوري الإيراني في سورية. وإسرائيل تتخوف الآن من رد فعل إيراني انتقامي، بهجوم يرجح الإسرائيليون أنه سيكون ضد هدف إسرائيلي في العالم، ويأملون بأنه سيكون تحت سقف حرب، أي لن يؤدي إلى حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران.
داخليا، تواجه القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية انعدام ثقة بالغ من الجمهور. ومكانة السياسيين من حيث ثقة الجمهور بهم في الحضيض، مثلما هي مكانة إسرائيل الدولية، بسبب القتل والدمار الهائل الذي ألحقته بغزة. والمظاهرات في أنحاء إسرائيل، وخاصة في تل أبيب و القدس ، تطالب بإسقاط رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ، وإجراء انتخابات عامة مبكرة على أمل إسقاطه عن الحكم إلى الأبد.
وألحقت تكلفة الحرب المرتفعة جدا أضرارا كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي، تمثل بخض تدريج إسرائيل الائتماني، ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي، تعديل ميزانية العام الحالي لتلائم تكاليف الحرب، تقديرات بأن تكلفة الحرب ستتجاوز 200 مليار شيكل. وإثر ذلك، طالبت وزارة المالية الجيش بتسريح المزيد من قوات الاحتياط التي تتلقى أجرا مقابل الخدمة العسكرية، بعد أن تم في بداية الحرب استدعاء أكثر من 300 ألف جندي في الاحتياط.
ولحقت أضرار كبيرة بالمرافق الاقتصادية أيضا. والمرافق التجارية في شمال إسرائيل وقسم منها في جنوب إسرائيل توقفت عن العمل كليا. وتوقف العمل جزئيا في قسم من المرافق في أنحاء إسرائيل، ومن بين أسباب ذلك استدعاء عاملين فيها للخدمة العسكرية في الاحتياط.
وقُتل 814 إسرائيليا على الأقل منذ بداية الحرب، إضافة إلى حوالي 1200 قتيل خلال هجوم "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وبين القتلى أكثر من 600 جندي، قُتل نصفهم منذ بداية المناورة البرية في القطاع.
دوليا، مكانة إسرائيل تراجعت إلى حضيض غير مسبوق، بسبب العدد الرهيب من الشهداء الفلسطينيين والدمار الهائل من جراء القصف الإسرائيلي على القطاع. والرأي العام والمظاهرات الكبرى في العواصم الغربية التي تطالب بوقف الحرب قلب مواقف تلك الدول بعد أن دعمت إسرائيل في أعقاب هجوم "طوفان الأقصى".
وأدى إلى ذلك رفض نتنياهو المطلق مطالب الدول الغربية، ومطلب إدارة بايدن خصوصا، بإجراء مداولات حول "اليوم التالي" للحرب ومستقبل غزة. وتسود أزمة في العلاقات بين بايدن ونتنياهو. وتتعالى دعوات في الولايات المتحدة ومن داخل الإدارة الأميركية، التي تطالب بايدن بوقف إمدادات الأسلحة لإسرائيل.
ويبدو أن تهديدات نتنياهو باجتياح رفح قد صعدت الأزمة بينه وبين إدارة بايدن، في ظل معارضة الأخيرة، وكذلك معارضة العالم كله تقريبا، لاجتياح كهذا بوجود 1.4 مليون نازح في المدينة ومنطقتها. وتقول الإدارة أن إسرائيل لم تضع خطة واقعية لإخلاء النازحين من رفح، وأن اجتياح كهذا ستزيد نتائجه من كارثية الوضع في القطاع.
وتبنى مجلس الأمن الدولي، قبل عشرة أيام، قرارا بوقف إطلاق نار فوري في غزة خلال شهر رمضان ، والإفراج عن الرهائن، وامتنعت الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو ضده، في مؤشر إلى الأزمة بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، لكن إسرائيل لم تنفذ القرار.
وسبق ذلك، موافقة محكمة العدل الدولية في لاهاي على النظر في دعوى جنوب إفريقيا التي اتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة. ولم تصدر المحكمة قرارا بوقف الحرب، لكنها أصدرت مجموعة قرارات تطالب إسرائيل بتنفيذ خطوات تمنع إبادة جماعية وبإدخال مساعدات إنسانية ومنع مجاعة في القطاع. ولم تلتزم إسرائيل بهذه القرارات ولم تنفذها أيضا حتى اليوم.
ورغم مرور ستة أشهر على الحرب، فإن صورة الوضع في قطاع غزة ليست واضحة بالنسبة للإسرائيليين. فقد ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم، أن جميع القوات الإسرائيلية المتوغلة خرجت من القطاع الليلة الماضية، وجميع ألوية الفرقة العسكرية 98 انسحبت من خانيونس، الليلة الماضية، بعد أن استمرت عملياتها في المدينة 4.5 أشهر، وأنه بقي في القطاع لواء "هناحال" الذي ينتشر في وسط القطاع ويمنع عودة النازحين من شمال القطاع إلى بيوتهم.
في المقابل، ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية (كان) أنه بعد انسحاب الفرقة 98 من خانيونس، لا تزال في القطاع قوات الفرقة 162 ولواء "هناحال"، من أجل منع عودة السكان إلى شمالي القطاع، كما أن قوات الجيش الإسرائيلي منتشرة حول القطاع بعد إقامة حزام أمني داخل القطاع في الأشهر الأخيرة.
وذكر موقع "واينت"، اليوم، أن "الجمهور الإسرائيلي غارق في انعدام يقين بكل ما يتعلق بالأماكن التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في القطاع؛ من دخل إلى الفراغ في المناطق التي انسحبت منها قوات إسرائيلية؟ إلى أي مدى عميق تقويض حكم حماس؟ هل تحصن كتائب القسام يدل على ضعفها أن أنه تكتيك صمودي؟ ما هو سبب التعتيم الذي تفرضه إسرائيل حول "ممر نيتسارين" الذي يقسم القطاع والمنطقة العازلة على طول حدود القطاع؟ ما الذي يحدث في غرف المفاوضات في الدوحة والقاهرة، وكذلك مقابل حزب الله في بيروت؟ ما هي القوانين شبه الخفية لحرب الاستنزاف في شمال إسرائيل؟ كيف تواجه إسرائيل – في البحر والجو والدبلوماسية – التهديد الحوثي الذي لم يلحق ضررا بأمنها وحسب وإنما بالأساس باقتصادها؟".