اعتراف إسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال سبعة من متطوّعي مؤسّسة "المطبخ المركزي العالمي" ومركزه في الولايات المتحدة الأميركية، أثار موجة من الإدانة والتعبير عن القلق لدى الدول "الغربية"، كما لو أنّها الجريمة الوحيدة التي ترتكبها إسرائيل.
الموظّفون ينتمون إلى جنسيات دولها داعمة لإسرائيل، من بينهم أميركيون وبريطانيون وكنديون، وبولنديون، لكن وفاة هؤلاء، لم تغيّر من مواقف تلك الدول، ولم تغيّر تلك الدول مواقفها العملية ممّا يجري من جرائم إبادة جماعية في قطاع غزّة، حتى حين رفضت إسرائيل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي الذي ينص على وقف الحرب الهمجية، ولا غيّرت مواقفها العملية حين تحدت دولة الاحتلال تعليمات محكمة العدل الدولية.
لا تبدي الدول الداعمة لحرب الإبادة والتجويع على الشعب الفلسطيني رغم الحصيلة الهائلة من الضحايا الفلسطينيين الذين تجاوز عددهم المئة ألف بين شهيدٍ ومُصاب، من بينهم أطبّاء، ومسعفون، وموظّفو دفاع مدني، وموظّفون في مؤسّسات دولية أكثرهم من " الأونروا ".
هذا عدا جرائم الاغتيال، وقتل الأطفال والحوامل واغتصاب النساء والحطّ بكرامة الشباب، وإخراج معظم منشآت العمل الصحي عن الخدمة إذا كان أمر ارتكاب الجرائم بحق الفلسطينيين ليس غريباً على أصحاب المشروع الصهيوني منذ بداية تنفيذه، فإنّه بالتأكيد أكثر غرابة بالنسبة لردود فعل ومواقف الدول التي تدّعي تبنّيها لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتزعم أنّها حامية للأمن الدولي والقوانين والأعراف الإنسانية.
المشروع الصهيوني برعاية بريطانية ثم أميركية و"غربية" عموماً قام في الأساس على فكرة "شعب بلا أرض لأرضٍ بلا شعب".
يدرك كلّ هؤلاء منذ البداية أنّ في فلسطين شعباً آمناً له حياته، وعاداته وتقاليده وتاريخه على هذه الأرض، لكن تلك الفكرة التي ادّعتها الحركة الصهيونية تعني أنّه لا بدّ من إبادة الشعب الفلسطيني، وهكذا وقع.
مئات المجازر التي داومت على ارتكابها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال بعد ذلك بحق الفلسطينيين، رافقها تدمير أكثر من خمسمائة قرية وبلدة.
نهج الإبادة الجماعية لم يتوقف فثمة مجزرة خان يونس، ومجزرة بحر البقر، ومجزرة صبرا وشاتيلا، ومجزرة الحرم الإبراهيمي، ومجزرة المسجد الأقصى، وقانا، وما جاء بعد ذلك من مجازر رهيبة خلال العدوانات الإسرائيلية على قطاع غزّة.
ولعلّ واحدة من أكثر الجرائم بشاعة، وقصفاً للقرارات الدولية، هي مجزرة الأرض، التي تستبيحها إسرائيل بالمصادرة، وهدم البيوت وبناء المستوطنات، حتى بلغ عدد المستوطنين في الضفة و القدس أكثر من سبعمائة ألف مستوطن، والباب مفتوح على المزيد.
وخلال كلّ تلك العقود، لم تلتزم إسرائيل بأيّ قرار من قرارات الأمم المتحدة، ولا بالقرار الذي اعترفت به الأمم المتحدة بإسرائيل والذي اشترط قيام دولة فلسطينية على أساس القرار 181.
كلّ ذلك يؤشّر على طبيعة النظام العالمي، الذي تتسيّده أميركا وحلفاؤها في أوروبا "الغربية"، والذي يقوم على مبدأ أسياد لهم كل الحقوق، وعبيد لا حقوق لهم.
القانون الدولي استناداً إلى هؤلاء يخدم من يمتلكون القوّة، ويسعون لتحقيق مصالحهم الأنانية فقط.
بعد انقضاء مئة وثمانين يوماً على حرب الإبادة والتجويع التي تواصل إسرائيل ارتكابها، أخذت الصورة تتّضح أكثر فأكثر لجهة تحمّل أميركا المسؤولية الأولى عن نشوب واستمرار الحرب الهمجية.
لقد سبق لجو بايدن أن أعلن أنه صهيوني، وأنّ إدارته لا ترى استقراراً في الشرق الأوسط إلّا حين تعترف كلّ دولة بإسرائيل دولة يهودية، وتقوم بـ"تطبيع" العلاقات معها.
اللغة المستهلكة التي تصدر عن بايدن ومسؤولي البيت الأبيض تبدو مرتبكة ومتناقضة، فهي في الوقت الذي تطلب فيه من إسرائيل حماية المدنيين الفلسطينيين وإدخال مواد الإغاثة، تقوم بتزويد الأخيرة بما تحتاجه من وسائل القتل والتدمير.
في آخر ما جاء وحسب إعلانات أميركية، أنّ إدارة بايدن تقترب من عقد صفقة كبيرة مع إسرائيل تقدّر بثمانية عشر مليار دولار.
الإدارة الأميركية لم تنسحب من إدارة الحرب الهمجية، بل عزّزت دورها حتى أصبحت صاحبة القرار، بحيث تمتنع إسرائيل عن الانتقال بحرب الإبادة إلى رفح، بسبب تحفّظات الإدارة على خطّة إخلاء المدنيين، فيما يبدو أنّها فرضت خطّتها الخاصة.
هذا يعني أنّ الحرب مستمرّة بقرار أميركي إسرائيلي، بالرغم من الزلزال الذي يجتاح العالم ضدّ استمرار تلك الحرب المجرمة.
في المقابل تسعى إسرائيل، إلى توسيع دائرة الحرب وتوريط أميركا بالانخراط أكثر فأكثر فيها.
منذ بداية الحرب، قامت إسرائيل باغتيال ثماني عشرة شخصية إيرانية في سورية، وتجاوزت كلّ الأعراف الدولية، حين قصفت مقرّ القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق مؤخّراً.
إسرائيل تعرف ماذا تفعل، حيث تنتظر ردّاً إيرانياً قوياً أشارت المعلومات الاستخبارية الأميركية إلى أنّه سيكون خلال أيّام قليلة ما استدعى إعلان الاستنفار الشامل في كلّ السفارات الإسرائيلية في العالم.
الردّ السريع والمباشر، جاء من "حزب الله"، حيث أطلق عشرات الصواريخ التي تجاوزت جغرافياً الخطوط التي التزمها منذ بداية الحرب، حيث وصلت إلى شمال ووسط دولة الاحتلال.
كانت إسرائيل قبل ذلك قد وسّعت استهدافاتها في لبنان حيث قامت أكثر من مرّة باستهداف مواقع لــ"حزب الله" في بعلبك، وفي محيط مدينة صور اللبنانية الجنوبية.
يجري كلّ ذلك، بينما تتعثّر المفاوضات بشأن هدنة مؤقّتة، تؤدّي إلى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية.
والأرجح ألا تنجح تلك الوساطات بعد كلّ هذا الوقت الطويل من المحاولات، فإذا وافقت إسرائيل على شروط المقاومة، كأنّها تعطي إشارة هزيمة لها، والحال أنّ المقاومة لا تستطيع التنازل عن شروطها المحقّة، بالقدر الذي يسمح لإسرائيل بمواصلة حربها البشعة، وهي تبدي صلابة في الميدان رغم كلّ ما قامت وتقوم به دولة الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد