ثمة حراك دولي وإقليمي يسعى لإعادة وضع قطار عملية السلام على السكة التي تسمح لها بالسير إلى الأمام، وهذا حراك مدفوع بالحاجة لوقف الحرب وإعادة بناء غزة والتفكير فيما يجب فعله في القطاع الذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية على مرأى ومسمع من العالم.
هناك حديث بدا جريئاً مؤخراً من قبل بعض الدول في أوروبا كما في واشنطن حول التوجه للاعتراف بالدولة الفلسطينية بصرف النظر عن التوافق أو عدمه بشأنها مع تل أبيب، فيما بدا تهديداً للأخيرة بضرورة أخذ مطالب العالم على محمل الجد فيما يتعلق بوقف الحرب التي تشنها على غزة وبالسماح بدخول مساعدات إنسانية تخفف الضغط الجماهيري عن عاتق الحكومات التي تبدو عاجزة أمام شعوبها عن فعل شيء.
أما فيما يتعلق بالتهدئة المرتقبة فإن الأمور تقترب أكثر للحديث عن وضع ما قبل السابع من أكتوبر، إذ إن المطالب التي يتم تداولها تتمحور حول شكل قريب من ذلك وإن كان سيشمل ربما إن تم إطلاق سراح بعض الأسرى الذين قد يكونون من هؤلاء الذي تم اعتقالهم لحظة السابع من أكتوبر أو بعد ذلك خلال العدوان والاجتياح البري سواء في غزة أو في الضفة.
بالطبع الأمر مرتبط بالحوارات التي ستُجرى بين المفاوضين ولكنّ ثمة شكلاً مختلفاً عليه لكنه صار واضحاً.
في المحصلة فإن الحرب يجب أن تنتهي ويجب أن تخمد المدافع وتهدأ الطائرات من أجل تبصر مستقبل غزة.
الأهم أن هذا المستقبل يكون جزءا من المستقبل الجمعي للشعب الفلسطيني وليس بعيداً عنه، وهو ما يعني أن يكون ثمة رابط بين مصير غزة وبين مصير باقي مناطق الضفة الغربية و القدس وأن يتم تطوير سيناريوهات تقوم بالتركيز على غزة بوصف غزة مركز الصراع الدائر الآن، وأن ما يجري هو الحديث عن وقف إطلاق نار فيها وبالتالي فهي المعنية بالحل وهي وحدها.
لذا فإن الحديث عن إطلاق قطار عملية جديدة فقط قد يبدو مفيداً في هذا السياق، إذ إنه يعني النظر بكلية للصراع ولا يقوم بتجزئته كما قد ترغب دولة الاحتلال.
إن الأساس في ذلك أن يكون ثمة موقف فلسطيني واحد يستند إلى رؤية فلسطينية واحدة. مرة أخرى قد لا يقود هذا لحل وقد لا يقود لدولة فلسطينية لكنه سيكون مفيداً بوضع القطار الفلسطيني في المكان السليم الذي لا يعود فيه الحديث عن مصائر مختلفة لمناطق السلطة الفلسطينية.
من هذا الجانب فإن الأساس هو ما نريده نحن كفلسطينيين وهذا يتطلب حواراً فلسطينياً هادئاً نكون قادرين فيه على تطوير هذه الاستراتيجية التي تكفل لنا قوة الموقف وتماسكنا أمام العالم.
قبل أسابيع كتبت على هذه الصفحة تعليقاً على قرار محكمة العدل الدولية بأن العالم ليس عادلاً إلى هذا الحد الذي صرنا نتوقع فيه أن تتخذ مؤسساته قراراً يتعدى الإدانة والتنديد، ووصل بنا الأمر للظن بأن ثمة خطوات تصعيدية من الهيئات الدولية ضد دولة الاحتلال وما تقوم به من ممارسات.
مرة أخرى فعلاً العالم ليس عادلاً إلى هذا الحد ويجب علينا ألا نقنع أنفسنا بوجود معايير جديدة لدى القوى الدولية للتعامل مع قضيتنا، كل ما في الأمر أن الحراك الشعبي والصور القاسية على السوشال ميديا تتطلب بعض الركض في نفس المربع من أجل إعطاء الإحساس بالحركة.
والأمر كذلك فعلينا أيضاً ألا تجرفنا المشاعر ونعتقد فعلاً أن العالم جاهز للضغط على إسرائيل من أجل أن تقبل أن نقيم دولتنا على عشرين بالمائة من أرض الآباء والأجداد.
مرة أخرى العالم يتحرك لأن ثمة أوقاتاً يجب فيها أن نعطي الانطباع بأن الأمور تتحرك. تذكروا أن عملية السلام بدأت وانتهت دون أن تتحرك قليلاً إلى الأمام وكما قال مسؤول أميركي في حينها إن ما يهم هو العملية وليس السلام، ونحن مرة أخرى قد نجد أنفسنا في عملية المهم فيها هو وجودها ذاتها وليست نتائجها.
العالم ليس جاهزاً لكي يغير جلده لأن هذا الجلد وجد بالأساس وفي تركيبته خلق دولة إسرائيل وحمايتها، كل ما نستطيع فعله هو تقليل الضرر ومنع البعض منه إلى حين يتغير العالم.
هل سيتغير العالم؟
أيضاً من المشكوك به مقدرتنا على الإجابة بنعم، ليس لأن العالم عصي على التغير ولكن لأن القوى الكبرى التي تتحكم بمصيره لم تتغير إذ ما زال عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هو نفسه نفس العالم، ربما التحقت الصين بدرب القوى الكبرى لأن التحاقها لم يغير الكثير إذ إن مواقفها ظلت ضمن نطاق المقبول دولياً فيما يتعلق بالصراع في المنطقة، ولم تنتقل «للدفاع» عن مصالح مفترضة في المنطقة كما قد تفعل واشنطن وأوروبا وتحرك أساطيلها من أجل قصة صغيرة.
وإذا كان العالم لا يتغير فإن انتظار حدوث معجزة بحاجة لوقت. فالعالم الذي بدأ يعيد تهجئة كلمة «دولة فلسطينية» لا يعني بالضرورة ما نعنيه نحن من ورائها، وحتى الحديث عن الاعتراف من طرف واحد ليس إلا وسيلة ضغط على تل أبيب ولن يعني أن واشنطن ستفعل ذلك وإن فعلت ففي كل مرة تتقدم فيها خطوة تضع ألف قيد وشرط يجعل من اعترافها مجرد وعود بالاعتراف.
تذكروا رؤية بوش للسلام التي ألقاها أمام الجمعية العامة وتذكروا كل أطروحات الإدارات الأميركية التي لم تعنِ أكثر من إعادة صياغة لنفس الموقف التقليدي الذي يجعل كل شيء مرهوناً بقدرات الفلسطينيين على إثبات أنهم جيران جيدون يمكن التعايش معهم.
ويا لها من مهمة.
ومع ذلك فإن الأساس أن نتفق على ما نريد ونسعى ورائه حتى لا تأخذنا اللحظة ضمن ضحاياها الكثيرة ونفقد البوصلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد