يمكن القول بكل بساطة وثقة، إن إطلاق حزب الله اللبناني ثمانية صواريخ أول من أمس الأربعاء، على مدينة صفد، والتي قتلت مجندة وأصابت ثمانية بجروح مختلفة، هو تطور نوعي، وقد يكون نقطة تحول في الحرب التي أشعلتها إسرائيل منذ أكثر من أربعة أشهر، وترفض أن توقفها، رغم أن كل العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، يطالبها بوقف إطلاق النار وتجنب اندلاع حرب إقليمية شرق أوسطية قد تتحول بدورها إلى حرب عالمية، وإن بشكل متدرج، أي وقف نظرية كرة الثلج، لأنها تنطوي على احتمال استخدام القنابل النووية.
نقول ذلك ليس لأن الصواريخ التي قصفت محيط صفد، أوقعت ضحايا عسكريين إسرائيليين، ولكن لأن القصف هذه المرة، طال واحدة من المدن الكبرى، وإن كانت تعد من مدن الجليل، أي أن حزب الله توغل في العمق الإسرائيلي، ولم يبق رده مقتصراً على البلدات الحدودية الإسرائيلية، سواء تلك التي في الشمال، أو تلك التي في إصبع الجليل، وهذا يعني كما لو أنه جاء رداً على القصف الإسرائيلي لمدينتي صور وصيدا اللبنانيتين، بل واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، باغتيال الشيخ صالح العاروري قبل شهر.
ومحيط صفد يعتبر مركزاً أمنياً - استخباراتياً - عسكرياً إسرائيلياً، والأهم هو أنه تجمع سكاني كبير للغاية.
وحيث إن القصف الصاروخي جاء بعد يوم واحد فقط من خطاب السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، والذي فضح فيه الوساطات الدولية التي سعت فقط إلى توفير الأمن والحماية للمستوطنات الإسرائيلية الشمالية، مقابل وعود فارغة بالبحث عن حلول لاحتلال إسرائيل لبلدات لبنانية، وكذلك وقف الحرب على غزة ، والذي أكد فيه أيضاً أن جبهة الجنوب اللبناني لن تغلق إلا بعد وقف الحرب على غزة، وأنها ستبقى مفتوحة لإسناد وإرباك وإشغال إسرائيل، وأن محور المقاومة الإقليمي إنما هو تشكيل موحد، يهدف لردع إسرائيل، وإضعافها إقليمياً حتى لا تتغول على الآخرين، وحتى تصبح دولة أقل خطورة، كذلك يأتي القصف قبل يومين من خطاب آخر لنصر الله، اليوم.
ورغم أن الأميركيين اقتنعوا بعد مرور وقت طويل، بأن إسرائيل هي التي تسعى إلى توسيع دائرة الحرب للزج بأميركا وتوريطها فيها، ورغم مسارعة أميركا لتطويق احتمال توسع دائرة الحرب منذ اليوم الأول لشن إسرائيل حربها الإجرامية على غزة، وذلك بإرسال حاملات طائراتها الأخطر في العالم، لقبالة الشواطئ اللبنانية لتخويف حزب الله، ومنعه من مشاركة حماس الحرب ضد إسرائيل، وحيث جرت الأمور كما تابع العالم كله خلال الأشهر الأربعة الماضية، بحيث كان الأمر بين بين، أي لا هي حرب شاملة إقليمية، ولا هو تفرد إسرائيلي بغزة، حيث ان فتح قوس المقاومة الإقليمية من اليمن إلى جنوب لبنان مروراً بالعراق، في إسناد لغزة، مقابل مشاركة فعلية بالعتاد والاستخبارات، كذلك مواجهة اليمن بالغارات العسكرية من قبل أميركا وبريطانيا، رغم أن الجميع يعرف أن إمداد إسرائيل بالعتاد والاستخبارات في ظل حرب متواصلة، مقابل إغلاق الحدود على غزة، يعني نفاد ذخيرة المقاومة بعد وقت ما من الحرب.
ورغم جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وشبهة حرب الإبادة الجماعية، ورغم أن واشنطن كانت قد قدرت أن يكتفي نتنياهو بأسابيع أو أشهر قليلة من الحرب، فإنها ما زالت تبيع الطرف الآخر كلاماً فارغاً، بينما يمكنها أن توقف نتنياهو فوراً عن مواصلة قتل المدنيين كل يوم، وحتى أنها لا تفكر في منعه من مواصلة الحرب على رفح، وهي أي واشنطن يمكنها أن تردعه بكلمة واحدة، تقولها له مباشرة، أو بشكل غير مباشر، وأميركا - بقضها وقضيضها - تتعثر في فرض إدخال المساعدة الإنسانية والإغاثية التي أرسلتها بنفسها إلى غزة!
طبعاً هناك الحسابات الانتخابية الأميركية، وبايدن الساعي لولاية ثانية في البيت الأبيض، يحاول أن يبقى قريباً من الجمهوريين، المحافظين، المؤيدين ليس لإسرائيل، بل لليمين المتطرف الإسرائيلي، لهذا فإن الآخرين، تحديداً محور المقاومة الإقليمي قد وقع على كاهله، إنقاذ البشرية في الشرق الأوسط خصوصاً من خطر إسرائيل الفاشية على المنطقة كلها، وذلك بردعها، و»ضبضبتها» لتكون دولة مثل كل الدول، لا هي فوق القانون، ولا هي متفوقة على كل الشرق الأوسط عسكرياً، وهذا ليس فقط من حق شعوب ودول المنطقة وحسب، بل هو واجب لمنع إسرائيل الفاشية من النجاح في فرض حرب إقليمية شاملة.
ومنذ بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة، مستغلة عملية طوفان الأقصى، وبما وجدته من دعم أميركي غير مسبوق، وجدت الفرصة سانحة، لتحقيق أحلام ما كان أعتى عتاة التطرف يفكر في البوح بها، من مثل إعادة احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، ورفض حل الدولتين علنا وبصراحة، بل حتى رفض عودة السلطة لغزة، كما وجدتها فرصة لمحاولة التخلص من الكابوس القابع على حدودها الشمالية، وقد وجدت في إسناده لغزة - كما أشرنا - وإن كان وفق قواعد الاشباك مع إسرائيل، سبباً في أن تطلق العنان للتهديدات، مستغلة أيضاً الخوف الأميركي من توسيع دائرة الحرب، بحيث تدافعت الوفود الأميركية والغربية، إلى لبنان في محاولة لإخراج حزب الله من جنوب لبنان، والحديث عن قرار مجلس الأمن 1701، وذلك بشكل مجزوء ومبتسر، ومع استحالة إزاحة حزب الله لضفة الليطاني الشمالية، والتي هي أصعب من نقل الليطاني للحدود بين الدولتين، وفق تعليق أحد السياسيين، فإن الأمر ما زال مفتوحاً على أكثر من احتمال.
لكن احتمال التصعيد في ظل استمرار الحرب على غزة، وفي ظل احتمال شن الحرب على رفح، بكل ما تعنيه من ارتكاب جريمة الإبادة المؤكدة، وفي ظل الرفض العالمي، يكون أكبر، فإقدام إسرائيل على شن الحرب على رفح، فضلاً عن استمرارها في رفض وقف إطلاق النار، ووقف الحرب، يوفر لحزب الله قدرة أكبر على التقدم خطوة كبرى نحو توسيع حربه مع إسرائيل، وتجاوز قواعد الاشتباك التي ما زالت قائمة، رغم أن إسرائيل تجاوزتها في أكثر من مناسبة، إن كانت تلك التي اغتالت فيها صحافيين ومواطنين في مدن الجنوب اللبناني، وليس فقط في القرى الحدودية، أو تلك التي كانت في ضاحية بيروت الجنوبية معقل الحزب اللبناني.
وحتى اللحظة نجح حزب الله، معتمداً على صمود حماس في غزة، في التوفيق بين المعادلة اللبنانية الداخلية حيث هو أحد أهم عناصرها، ومحور المقاومة الإقليمي، الذي هو أهم عنصر فيه، حيث لم يرفع يده عن غزة، لا هو ولا حوثي اليمن، ولا الحشد الشعبي العراقي، فواصل سحب نحو ثلث الجيش الإسرائيلي للشمال، وساهم في تحميل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي ثقلاً إضافياً، بتهجير مئة إلى مئتي ألف مستوطن إسرائيلي من بلدات شمال إسرائيل، في الوقت الذي لم ينجر رغم محاولة إسرائيل أكثر من مرة جره لحرب شاملة، في توريط لبنان بحرب تزيد من مأزقه الاقتصادي، وظهر بمظهر حامي لبنان بتحقيقه عامل الردع مع إسرائيل، ولم يظهر بمظهر المهدد للبنان، أو المتسبب في شن الحرب الإسرائيلية المحتملة في أي وقت على لبنان.
وهكذا ما زالت الحرب مفتوحة، واحتمال أن تنتقل، في حال وجد نتنياهو لحظة يستحيل معه فيها مواصلة الحرب على غزة، إلى لبنان، لأن نتنياهو بحاجة إلى إبقاء إسرائيل في حالة حرب لينجو هو من الموت السياسي، وهكذا جاءت صواريخ حزب الله على صفد، رسالة بالغة الدلالة للإسرائيليين مفادها، أنهم إذا كانوا يفكرون فقط في التخلص من صداع المئة ألف من الهاربين من منازلهم في شمال إسرائيل للإقامة في الفنادق في تل أبيب و القدس ، فإنه يجب عليهم مع مواصلتهم الحرب على غزة، أو على غيرها، أن يبدؤوا بالتفكير في مليوني نازح إسرائيلي من مدن كل الشمال، صفد وحيفا، فيما ستظهر طبيعة الرد الإسرائيلي الذي قدرته وسائل الإعلام، بأنه سيكون كبيراً في لبنان، وأنه لن يكتفي باستهداف مصادر إطلاق النار، كما هي قواعد الاشتباك عادة، وكما جرى بينهما منذ أربعة أشهر مضت حتى الآن، إن كان قصف صفد يتحول لبوابة انتقال الحرب لشمال إسرائيل أو أنها ستدل فقط على مجرد نقلة أخرى في لعبة الشطرنج بين الطرفين، فتكتفي بتوسيع ساحة الحرب إلى 40 كيلومتراً بينهما، بعد أن كانت أقل من نصف هذه المساحة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد