معطيات عديدة فرضت نفسها على دوافع زيارة الأمير السعودي محمد بن سلمان إلى الأردن وخلفيتها، وأول هذه المعطيات يعود لوجود قيادة ديناميكية شابة تحكم القرار السعودي وتتحكم فيه، دماء شابة تستند لتراث المملكة وقدراتها وما تملكه من إمكانات، مستجيبة لعملية المواجهة للتحديات المحلية والإقليمية والدولية التي كادت تعصف بكل التراث المحافظ الذي يقود النظام العربي، فالربيع العربي ولّد قوى إسلامية سياسية جديدة لها نفوذ وحضور عابر للحدود بديلاً ونقيضاً لمجمل أطراف النظام العربي الذي استنفد أغراضه وفقد شرعيته لصالح أطراف إسلامية جديدة تقف في طليعتها أربع قوى سياسية عابرة للحدود هي: 1- حركة الإخوان المسلمين، 2- ولاية الفقيه، 3- تنظيم القاعدة، 4- تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وأربعتهم في مواقع التصادم مع النظام العربي، حيث وصل حد السكين لرقبة أطراف النظام كما حصل لكل من زيد العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح، وهذا التغيير لم يكن بعيداً عن ترتيبات الأميركيين ودورهم وتحالفاتهم، وتم ذلك انعكاساً للتفاهم الأميركي الأوروبي مع كل من حركة الإخوان المسلمين ومع ولاية الفقيه، وفي مواجهة تنظيمي القاعدة وداعش.
التفاهم الأميركي مع الإخوان المسلمين أحبطه انقلاب أو ثورة أو حركة عبد الفتاح السيسي، مدعوماً بقوة من الخليجيين الذين أسالوا المليارات للخزينة المصرية، ومن الأردن الذي وفر الغطاء السياسي وساعد على إزالة الاعتراض الأميركي على نظام السيسي بعد أن سعت واشنطن لمعاقبته مالياً وعسكرياً.
العربية السعودية ومعها الخليجيون والأردن سعوا لإحباط التفاهم الأميركي الإيراني أو التقليل من شأنه، فكان التدخل العسكري المباشر في اليمن وفي تقديم المساعدة المالية لتسليح الجيش اللبناني، وفي غيرها من الأماكن في العراق وسورية وليبيا، وهذا ما جاء في البيان المشترك الذي نص الاتفاق على «تعزيز التعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني بين البلدين السعودية والأردن»، كما تضمن بوضوح بالغ «العمل المشترك في مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية» و»رفضهما القاطع لمحاولات التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية».
والمعطى الثاني يعود لمضمون ما تم التوصل إليه في القاهرة يوم 30 تموز بين الرئيس السيسي والأمير محمد بن سلمان، ومباحثاتهما حول المستجدات في المنطقة وتطوراتها، وتوصلا إلى «حرصهما على بذل كل الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة العربية والعمل سوياً على حماية الأمن القومي العربي، ورفض محاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية»، واتفقا على وضع حزمة من الآليات التنفيذية وفي مقدمتها «تطوير التعاون العسكري والعمل على إنشاء القوة العربية المشتركة».
أما المعطى الثالث لدوافع هذه الزيارة فيعود إلى ما تم الاتفاق عليه في الدوحة يوم 4 آب 2015، في أعقاب الاجتماع الوزاري الذي جمع وزراء خارجية بلدان مجلس التعاون الخليجي مع الوزير الأميركي جون كيري.
وقد ناقش الوزراء الخليجيون مع كيري «خطة العمل المشترك الشاملة بين مجموعة 5+1 وإيران» وجملة من الموضوعات الإقليمية بمزيد من التفاصيل «بما في ذلك ما ورد فيها من القيود والشفافية والإجراءات الوقائية وحرية الوصول إلى أي منشأة نووية معلنة وغير معلنة، وآليات تنفيذها وآثارها الإقليمية» وتوصلوا إلى ضرورة العمل معاً للتصدي لتدخلات إيران في بلدان الخليج العربي، خاصة محاولاتها تقويض الأمن والتدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون كما حدث في مملكة البحرين، كما «أدانوا الهجمات العنيفة وزعزعة الاستقرار من قبل تنظيمي القاعدة وداعش» و»اتفقوا على وضع خطوات واقعية لدحر داعش والقاعدة وإرساء الأمن والاستقرار، بما في ذلك قطع مصادر تمويله ومنع سفر المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات».
وخلص الجانبان الأميركي والخليجي، إلى «العمل لتعزيز الشراكة بينهما، من خلال منتدى التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، وذلك في إطار المنتدى الذي سيعقد دورته الخامسة في شهر أيلول 2015 في نيويورك».
حصيلة زيارة عمان من قبل الأمير السعودي، مهمة في إطار سعي العربية السعودية لتعزيز التحالف العربي، مع الأردن ومصر وتقوده في مواجهة المخاطر الجادة التي تستهدف الأمن العربي بكل تشعباته.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية