لم يستطع قادة إسرائيل ونخبها الانتظار بعد الجريمة الإرهابية التي نفذتها عصابات المستوطنين القتلة بحق عائلة دوابشة في قرية دوما جنوب نابلس ، والتي راح ضحيتها الطفل الرضيع على دوابشة فيما أصيبت كل العائلة بحروق شديدة ولا تزال في حالة خطر شديد، فاضطروا للتنديد بالجريمة وإدانتها بعبارات قاسية استخدم فيها تعبير» الإرهاب اليهودي» بصورة واسعة غير مسبوقة، والسبب الرئيس لهذه الإدانة السريعة والقوية هو توقع تعرض إسرائيل لهجوم وانتقادات دولية حادة ت فتح ملف الصراع على مصراعيه. فكانت الرغبة في استباق مثل رد الفعل هذا للتخفيف من وطأة الموقف الدولي هي التي دفعت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الدولة روبي ريفلين إلى الحديث بعبارات قاسية ضد هذه الجريمة الإرهابية، إلى درجة اعتراف ريفلين بالتقصير في معالجة ظاهرة الإرهاب اليهودي.
ولكن هذا التنديد بالجريمة من قبل أوساط إسرائيلية عديدة لا يمكنه أن يحدث أي تغيير في الواقع الراهن، فلا الإجراءات على الأرض تغيرت ولا هي في الطريق إلا ذلك، حتى الخطوات التجميلية التي اتخذتها الحكومة باعتقال بعض المتطرفين أمثال حفيد الحاخام المتطرف مئير كاهانا الذي صفته مجموعة فلسطينية لم تصمد أمام الثغرة الكبيرة الواضحة في القوانين الإسرائيلية التي صيغت أصلاً ضد الفلسطينيين، ولم تنجح سلطات الأمن في تنفيذ حتى الاعتقال الإداري.
والموضوع القانوني هنا يحتاج لمعالجة واسعة ولكن الجوهري في المسألة هو العنصرية، أي أن السلطة الإسرائيلية لا تنظر إلى الجريمة التي ينفذها يهودي بنفس المستوى إلى أي مخالفة فلسطينية للقانون والأوامر العسكرية الاسرائيلية. وهذا يشجع اليهود المتطرفين على ارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين وهم محميون بالقانون الذي لا يأخذ جرائمهم على محمل الجد.
قصة الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين ليست جديدة بل هي تسبق قيام دولة إسرائيل، والعصابات الصهيونية كـ»الإتسل» و» والليحي» وحتى « الهاغاناة» نفذت جرائم بعضها كانت مجازر بحق المواطنين الفلسطينيين العزل في العديد من القرى والمدن الفلسطينية. وعدا عن الجرائم التي ارتكبت في الحروب ومراحل العدوان كانت هناك جرائم في زمن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة مثل التفجيرات التي استهدفت رؤساء البلديات المنتخبين في الضفة في سنوات الثمانين وجريمة قتل العمال الفلسطينيين في مجزرة «عيون قارة» التي نفذها عامي بوبر في عام 1990، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في عام 1994، وأخيراً حرق وقتل الطفل محمد أبو خضير العام الماضي لتكتمل الجريمة بعائلة دوابشة. والإرهاب اليهودي يطال كل شيء بما في ذلك الأشجار والأماكن المقدسة وبيوت المواطنين والأرض والإنسان.
والمشكلة التي لا يستوعبها كثير من الإسرائيليين هي أن التطرف والإرهاب لا يقف عند حدود ولا يمكن أن يقتصر على جنس أو عرق أو دين أو قومية، وما حصل من اعتداءات يهود ضد يهود آخرين يختلفون معهم منذ مظاهرة «السلام الآن» بعد مجازر صبرا وشاتيلا التي القى يهودي متطرف فيها قنبلة على المظاهرة وقتل ناشط السلام إيميل غرينتسويغ، مروراً بقتل رئيس الوزراء اسحق رابين والاعتداء على مواقع وضباط جيش الاحتلال في الضفة من قبل «شبان التلال» وليس انتهاءً بقتل الشابة اليهودية في مظاهرة المثليين في القدس ، هي مقدمات لمستقبل أكثر دموية وصراعات داخلية ستعيشها إسرائيل. وجوهر المعضلة في الاحتلال.
الاحتلال يتسبب في تآكل ما تبقى من أخلاق وضمير لدى المجتمع الذي يقبل به ويتعامل معه كأمر طبيعي، وهذا هو حال إسرائيل، ولا يمكن لمن يقمع الآخر أن يبقى متوازناً نفسياً ولا بد أن يصبح عنيفاً حتى في بيته مع أفراد أسرته، فما بالنا عندما يتم السماح بمستوى كبير من العنف والإرهاب ضد مواطنين آمنين لمجرد أنهم فلسطينيون ولمجرد الرغبة في جعلهم يغادرون أرضهم ويفرون بجلودهم. والإرهاب كظاهرة يمكنها تخريب أي مجتمع حتى لو بدأت ضد عدو خارجي.
ما يحدث في العالم العربي من المفروض أن يكون درساً لكل الأطراف، وبدلاً من أن تستفيد منه إسرائيل في البحث عن تسوية للصراع تنهي التوتر والعنف في المنطقة، نجدها تمعن في الهروب إلى الأمام في الاحتلال والقمع والإرهاب الذي يأخذ أشكالاً عديدة منها الرسمي ومنها غير الرسمي الذي يأخذ طابعاً سرياً، ولكن المصدر واحد هو الاحتلال وقوانينه العنصرية وإجراءاته القمعية والتعسفية. والنار التي تأكل الشعوب والدول نتيجة للعنف والإرهاب ستأكل إسرائيل بلا شك.
صحيح أن بعض العقلاء في إسرائيل واعون للمخاطر المحدقة بها نتيجة لاستمرار الاحتلال، ولكن هذا الوعي لم يصل بعد إلى مستوى الوعي العام الذي يمكن أن يخلق رأيا عاما يؤثر في سياسات الحكومة والأحزاب الحاكمة، خاصة عندما تكون الحكومة مكونة في قسم كبير منها من مستوطنين أو داعمين للاستيطان، وعنوان سياستها هو العنصرية ليس ضد أبناء الشعب الفلسطيني بل كذلك ضد يهود آخرين يختلفون في الموقف السياسي أو حتى في لون البشرة أو المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وإسرائيل ذاهبة نحو مزيد من العنصرية والتطرف والإرهاب الذي سيقضي على أكذوبة الدولة الصهيونية الديمقراطية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية