تمر الأوضاع الفلسطينية بظروف صعبة واستثنائية ، حيث تزداد حدة الهجمات الاستيطانية بالاعتداء على المواطنين الأبرياء ، وحرق منازلهم ، كما حدث في جريمة حرق الطفل على الدوابشة وعائلته في قرية دوما في نابلس ، إلى جانب الاستمرار بالهجمات على القدس باتجاه تهويدها وتعزيز منظومة المعازل والبانتوستات ، بالاضافة إلى الاستمرار في عزل وحصار قطاع غزة .
ورغم ازدياد حدة الهجمات الاحتلالية والاستيطانية ووضوح مخططاتها الرامية إلى تقويض وحدة الوطن والشعب والهوية للحيلولة دون تحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال والعودة، إلا أن الاوضاع الفلسطينية الراهنة لا تساعد على مقاومة الممارسات الاحتلالية ، من حيث استمرار الانقسام في بنية النظام السياسي الفلسطيني على الصعد السياسية والمؤسساتية سواءً التابعة للسلطة أو المنظمة ، وتراجع الديمقراطية وغياب الآليات الجماعية في صناعة القرار .
لقد انعكست حالة الانقسام السياسي على بنية المجتمع ، فقد شهدت الاشهر الماضية العديد من الأحداث الدامية الناتجة عن مشاجرات عائلية والتي تتم لاسباب عديدة ، ولكنها تتفاعل بصورة كبيرة بما ينذر بمخاطر جدية على وحدة النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي وبما يهدد من مبدأ سيادة القانون في اطار محاولات العودة للبنى القبلية والعشائرية كبديل لمنهج المواطنة والاحتكام للاسس القانونية حيث يؤشر ذلك إلى طبيعة المجتمع الذي أخذ يبتعد عن قيم ومبادئ وآليات المجتمع المدني .
هناك عدة اسباب تقف وراء حالة الاحتقان والتوتر الاجتماعي وتشكل بيئة حاضنة للعنف والتطرف .
إن الحصار والاغلاق وزج السكان الفلسطينيين في معازل وبانتوستانات على مساحات محدودة من الارض وعبر وجود كثافة سكانية كبيرة في ظل انعدام الحركة ومحدوديتها يوفر تربة خصبة للتوتر والاحتقان خاصة إذا ادركنا ارتباط ذلك بتدهور الأوضاع الاقتصادية ، من حيث ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ، وإعتماد نسبة كبيرة من الناس على المساعدات الغذائية والمعونة الاغاثية الامر الذي ادى إلى تراجع ثقافة التسامح وتقبل الآخر والعديد من القيم الايجابية التي يكتنزها التراث الفلسطيني ، وبدا يحل محلها مفاهيم الاستقواء واستعراض القوة والاستكساب، والثأر والانتقام المبنى على المفاهيم العصبية البعيدة عن المجتمع الفلسطيني ومبادئ القانون والعدالة .
تلعب الأبعاد النفسية دوراً مؤثراً في مجال الصراعات الاجتماعية الداخلية وفق نظرية تمثل المعتدي " الاقوى " الأمر الذي يترتب عليه محاولة تقمص شخصية المعتدي واستخدام أدوات القوة بحق الطرف " الأضعف " كشكل من أشكال الاستعاضة عن حالة القهر الجمعي وتعويضه بالشعور الذاتي بالتفوق ولكن بحق الاخوة من ابناء الشعب الواحد .
تكمن المفارقة بأن ازدياد حدة الصراعات الاجتماعية ياتي بالوقت الذي نحن بحاجة ماسة به إلى قيم التكافل والتكاتف والتلاحم الاجتماعي معززة بقيم ومبادئ التسامح وتقبل الآخر ، وذلك من اجل تعزيز اللحمة والتماسك بالنسيج المجتمعي في مواجهة ممارسات وإجراءات الاحتلال .
وبالوقت التي تلعب العديد من العوامل في ازدياد حدة التوترات الاجتماعية، فإن ذات العوامل إلى جانب بعض المتغيرات السياسية المحلية والاقليمة تدفع باتجاه مخاطر النزعة المتطرفة لدى بعض المجموعات التي تعمل على تعزيز التقسيم والتجزئة في بنية المجتمع عبر التصنيفات التكفيرية وقد برز ذلك بصورة واضحة من خلال تفجيرات لسيارات تابعة لعناصر قيادية من كتائب القسام وسرايا القدس في ايام عيد الفطر الامر الذي ازعج قطاعات شعبية واسعة ووضع اسئلة عديدة على طبيعة تلك المجموعات ومخاطرها على المسار السياسي والمجتمعي بما يعمق من الهوة بين ابناء الشعب الواحد ويكرس من حالة التشرذم والتفتت بدلاً من الوحدة والتلاحم والتماسك الضروري في مواجهة تحديات الاحتلال وبما يضمن من تعزيز مقومات الصمود الوطني .
أعتقد أننا بحاجة إلى تفعيل دور القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار والتسامح وادخال هذه المفاهيم بالمناهج المدرسية وبالانشطة اللامنهجية للطلبة .
فمن الهام ان تلتقي جميع القوى على قاعدة صيانة السلم الأهلي بغض النظر عن التباين السياسي والأيديولوجي ، لان الجميع سيتضرر إذا استمرت حالة الاحتقان وسادت اجواء من العنف والتطرف .
كما من الضروري ان يلعب القضاء العشائري دوراً ايضاً عبر استحضار القيم الايجابية الموجودة بالتراث الفلسطيني في اطار يعزز قيم التضامن وفي اطار التكامل مع الدور الحكومي القائم على مبدأ سيادة القانون .
وعليه فأرى من الضروري التفكير الجاد بتشكيل هيئة وطنية لتعزيز السلم الأهلي ومحاربة التطرف تتكون الهيئة من كافة القوى السياسية والمجتمعية كضمان لوحدة النسيج الاجتماعي وتلاحمه وتعزيز منعته وصموده .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية