في مقابلته الشهيرة مع «فوكس نيوز»، وضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الموقف وضدّه في المقابلة ذاتها.
أشار بن سلمان إلى أنّ المملكة العربية السعودية تقترب من «تطبيع» علاقاتها مع إسرائيل، لكنّ القضية الفلسطينية تظلّ مهمّة للمفاوضات. وبشأن الموافقة على شرط امتلاك السعودية الحقّ في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية قال: «إنّه إذا حازت إيران سلاحاً نووياً فلا بدّ لنا من حيازته بالمثل».
أمران خطيران، يشكّلان عقبةً أمام إمكانية التوصُّل إلى «اتفاق تطبيع»، فثمة خشية حقيقية من قبل إسرائيل كلها من أن تمتلك السعودية القدرة على تخصيب اليورانيوم، حتى مع كلّ الضوابط الممكنة لأنّ ذلك سيؤدّي إلى سباق تسلُّح، ويضع حدّاً لتفوُّق إسرائيل.
إسرائيل لا تثق بأيّ دولةٍ في المحيط الإقليمي، خاصّة أنّ المنطقة غير مستقرّة، ولا يمكن لأيّ ضمانات من أن يتحوّل السلمي إلى حربي، إذا كان ثمة إمكانية لتحويل السلمي إلى حربي كما قال بن سلمان حين ربط هذه الإمكانية بامتلاك إيران برنامجاً عسكرياً، فإنّ لا إسرائيل ولا غيرها تستطيع وقف المسعى الإيراني، إذا قرّر النظام الإيراني حتى لو أدّى ذلك إلى نشوب حربٍ واسعة.
في الواقع فإنّ إسرائيل لا تتجاهل هذه الإمكانية، وهي تصرخ كلّ الوقت من أنّ إيران تقترب من حافّة القنبلة، وتهدّد بالقيام بعملٍ عسكري لوقف ومنع هذه الإمكانية.
يمضي الوقت، بينما لا تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها «الغربيون» التوصُّل إلى اتفاقٍ يؤدّي إلى الاطمئنان إزاء الملفّ النووي الإيراني من خلال الأساليب السياسية والدبلوماسية، بالنسبة لإسرائيل التي تقرأ المستقبل، وتتحسّب للمتغيرات، فإنّ وجودها مرتبط باستمرار تفوُّقها من خلال ما تمتلك من أسلحة تدميرية متقدّمة، وامتلاكها سلاحاً نووياً، واستمرار التزام الولايات المتحدة، إزاء تقديم كلّ دعمٍ ممكن لضمان تفوُّق إسرائيل.
عند هذه المسألة تتحسّب إسرائيل من أنّ تلبية الشروط السعودية قد تؤدّي إلى فسادِ علاقتها بالإمارات العربية المتحدة، التي لم تحصل على الوعود التي تضمّنتها «اتفاقية التطبيع».
سيشجّع «اتفاق تطبيع» مع السعودية يضمن تلبية شروطها، دولاً كثيرة في المنطقة لأن تسعى لامتلاك برنامج نووي.
بعض دول المنطقة مثل الإمارات، ومصر وتركيا، لديها الإمكانيات، والرغبة في امتلاك مثل هذا البرنامج ولديها خيارات مفتوحة.
يمكن لهذه الدول أن تحصل على المساعدة في إنشاء مثل هذا البرنامج، إن لم يكن بالتعاون مع الولايات المتحدة، فإنّ بالإمكان تحقيق ذلك بالتعاون مع الصين أو روسيا.
تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل، أنّهما في حال موافقتهما والتزامهما إزاء مساعدة السعودية على البدء بإنشاء مشروعها النووي فإنّ ذلك يعني تجاوز اتفاقيات منع انتشار السلاح النووي، ما سيحرّر روسيا من هذا القيد، بما سيؤدّي إلى تأجيج الصراع الدولي والإقليمي، ويطلق العنان لسباق تسلُّحٍ خطير.
في الواقع فإنّ كلّ إسرائيل تقريباً ونقصد الأحزاب والمؤسّسات الرسمية والأمنية والعسكرية، وحتى جنرالات ومسؤولين أمنيين سابقين، كلّ إسرائيل، تمتنع عن التعبير عن موافقتها على «صفقة» من هذا النوع.
بالعكس من ذلك معظم هؤلاء يحذّرون من الموافقة على تمكين السعودية من امتلاك برنامج نووي سيشكّل تهديداً وجودياً استراتيجياً لدولة الاحتلال.
حتى الآن وبالرغم من كثرة الحديث عن هذا الملفّ فإنّ الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تقل كلمتها حتى الآن، ما يشير إلى وجود عقباتٍ كبيرة محتملة، من شأنها أن تدخل الأزمة التي تضرب إسرائيل في متاهات تنطوي على خطورة بالغة.
الحكومة الإسرائيلية التي يدّعي نتنياهو أنّه صاحب القرار فيها، تتضمّن ألغاماً قد تنفجر في وجه الجميع، حين يصبح الأمر جدّياً.
سموتريتش وبن غفير، وغيرهما يشكلون عقدة كبيرة أمام قدرة نتنياهو على اتخاذ قرارٍ استراتيجي خطير من هذا المستوى.
مدير منشأة «ديمونا» النووية، حذّر بشدّة من أن تقبل إسرائيل «صفقة» تمنح السعودية الحقّ في امتلاك برنامجها النووي الخاص الذي قد يبدأ سلمياً، ويتحوّل إلى عسكري تحت ضغط المتغيّرات الإقليمية والدولية.
بين الحين والآخر، يصدر عن الإدارة الأميركية ما يشير إلى صعوبة التوصُّل إلى مثل هذا الاتفاق، بخلاف التصريحات التي أشارت إلى قرب التوصُّل إليه.
أمّا الأمر الثاني فيتعلّق بالبعد الفلسطيني من «الصفقة».. قد يقول قائل: ممّن استسلموا لفكرة أنّ «الاتفاق» أصبح حتمياً بأنّ بإمكان السعودية تجاوز هذا الشرط، انطلاقاً من حرصها على خدمة مصالحها الخاصّة.
وقد يضيف هؤلاء، أيضاً، إن السقف المطروح بشأن الموضوع الفلسطيني يهبط عن مستوى الاشتراط بموافقة إسرائيل على «رؤية الدولتين» وإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلّة العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
خارطة نتنياهو في الأمم المتحدة، لا تتضمّن أيّ وجود، أو حقوق للفلسطينيين، وهو قال، إنّ إسرائيل ليس لديها ما تقدّمه للفلسطينيين، وأنّ إقامة دولة فلسطينية لن تكون إلى جانب إسرائيل وإنّما بديل لإسرائيل.
وبالإضافة إلى الألغام الموجودة داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن كيفية التعامل مع الفلسطينيين، فإنّ كلام نتنياهو واقعي وحقيقي ذلك أن طبيعة الصراع، وأهداف السياسة الإسرائيلية سواء في الحكومة أو «المعارضة»، ستؤدّي إلى استمرار الصراع بأفق إمّا هؤلاء أو أولئك، أي عودة للجذور حتى لو كان ثمة إمكانية لحلول مؤقّتة.
فضلاً عن ذلك، تتجاهل الأطراف المعنيّة كلها، وجود ودور «المقاومة»، ومدى قدرتها على تعطيل «الاتفاق»، خاصة في بعده الفلسطيني.
هذا بالإضافة إلى المتغيّرات الدولية، وانعكاساتها على الإقليم الذي ينتظر أحداثاً جساماً، وتطوّرات تزيد من غليان القدر الموجود على النار فترة ليست قليلة.
الأمر كلّه يخرج عن منطق المراهنات، ولذلك لا أرى سبباً حقيقيّاً يدعو السياسيين للاستسلام لفكرة أنّ الاتفاق بات مُحتّماً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد