لا ينطلي على أحد أن حل الدولتين بات درباً من دروب الخيال لاسيما وأن الوقائع على الارض أصبحت واضحة وضوح الشمس وهي أن اسرائيل لا تريد بل ولن تسمح لهذا الحل بالولادة أبدًا ، ورغم المطالبات الباهتة العربية والاميركية والاوروبية والدولية التي تنادي طرفي النزاع وتحديدا اسرائيل بالعمل على تطبيق هذا الحل منذ عشرات السنين الا أن الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة كانت "تطنش" سماع هذه الدعوات والمطالبات وكانت تعمل على أرض الواقع عكس ذلك تماما .
لقد أصبح حل الدولتين مستحيلا أو بعيد المنال في ظل مصادرة الاف الدونمات من أراضي المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية (الدولة الفلسطينية العتيدة) من قبل الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين المتطرفين ، وكذلك تسارع وتيرة بناء وتوسيع المستوطنات والاستيطان الاسرائيلي، خصوصا في المنطقة المصنفة "ج" التي تسارع حكومة بنيامين نتنياهو وأقطابها المتطرفين من أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتيرتش الى سرقة ومصادرة ما تبقى من هذا الاراضي ، ناهيك عن مواصلة الحكومة الاسرائيلية الحالية لسياساتها العنصرية والابارتهايدية المتمثلة في هدم البيوت والاخطارات بالهدم والمصادرات لأغراض المحميات الطبيعية وما يسمى اراضي الدولة والشوارع الالتفافية الاستيطانية ومزارع ابقار وأغنام المستوطنين المتزمتين في البؤر الاستيطانية العشوائية...الخ ، كل ذلك أسقط برأيي حلم " الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية " . أي حل الدولتين ، اضافة الى أن حل الدولة الواحدة ثنائية القومية من المستحيل أن تقبله أي حكومة في ظل نظام ودولة عنصرية كإسرائيل تسعى لطرد ما تبقى لديها من فلسطينيين داخل الاراضي المحتلة عام ٤٨ وفرض سياسة وصفة يهودية الدولة عليها .
وبالتالي فاذا أمعنا النظر في الوقائع على الارض فان المعطيات تشير الى ان اسرائيل وبعد اسقاطها لحل الدولتين من أجنداتها السياسية والتفاوضية فإنها ماضية الى تطبيق "حل الدول الاربع" ما بين البحر والنهر كبديل عن حل الدولتين أولا وكفرض أمر واقع جديد على الارض استباقا لأي مفاوضات مستقبلية من شأنها اعطاء حتى ما تبقى من فتات للفلسطينيين ثانيا. والاربع دول هي على النحو الاتي :
-دولة غزة : وهي قائمة منذ " ١٦عاما" وولدت بفعل الانقسام البغيض بين أخوة الدم الفلسطيني وعلى أيدي الفلسطينيين أنفسهم دون تعب أوعناء من اسرائيل وتسيطر عليها حركة " حماس "، وهي محاصرة وتتحكم اسرائيل بجميع منافذها البرية والبحرية والجوية .
-دولة رام الله " دولة السلطة الفلسطينية" : وهي عبارة عن كنتونات غير متواصلة جغرافيا و تقطع أوصالها حواجز عسكرية اسرائيلية ، والسيادة فيها منقوصة ومرتبطة بإسرائيل اقتصاديا وأمنيا، وتسيطر عليها حركة "فتح" منذ انشاء السلطة عام ٩٤ بعد توقيع اتفاق أوسلو وفيها مقار ووزارات السلطة .
-دولة اسرائيل " تل أبيب" : وحدودها هي الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام ٤٨ ويسيطرعليها العلمانيون من اليهود أو اليسار غير المتدينين وفيها مؤسسات دولة الاحتلال وكافة تناقضات اسرائيل اجتماعيا .
-دولة المستوطنين المتطرفين اليهود بالضفة الغربية : وهي تجمع كافة المستوطنين الذين يقطنون في المستوطنات الاسرائيلية الجاثمة على أراضي المواطنين بالضفة ويسيطر عليها غلاة المتطرفين اليهود أو الصهيونية الدينية ، ويبلغ عدد سكان هذه الدولة الوليدة بفعل التراخي السياسي والدبلوماسي الفلسطيني من جهة وكذلك بفعل جنوح الحكومات والمواطنين الاسرائيليين "اليهود" نحو التطرف واليمين من الجهة الاخرى، أكثر من نصف مليون مستوطن حاليا ويسكنون في مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تتمدد كالسرطان داخل الجسم والهيكل الجغرافي للضفة الغربية ، نتيجة المخططات الاسرائيلية وآخرها كان المخطط الذي كشف عنه رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات "السامرة"، يوسي داغان، لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والذي يشمل زيادة عدد المستوطنين بالضفة إلى مليون مستوطن في العام 2050، حيث يشمل المخطط إقامة "مدن" اسرائيلية جديدة، ومناطق صناعية، ومستشفيات ، وسكة حديد ومطار، وتوسيع عدد من المستوطنات وتحويلها إلى "مدن"، ومد سكك حديد باتجاه وسط وشمال وجنوب إسرائيل، وتوسيع الشوارع الالتفافية الاستيطانية ، وإقامة مراكز طبية وجامعات، ومراكز ثقافية لاسيما في شمال الضفة الغربية التي بات الاستيطان ينهشها بشراسة غير معهودة أكثر من أي وقت مضى .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية