قتلنا الرضيع "علي دوابشة" قبل أن يرتقي. أصابنا بالخجل من أنفسنا وبتنا لا نقوى على النظر في عيون اطفالنا. كيف سيكون رد قوم مذبوحين في عروقهم وارضهم وكرامتهم التي استباحها المستوطنون صباح مساء؟
قبل "علي" كان محمد ابو خضير وكانت مذبحة الحرم الابراهيمي وقبلها دير ياسين .. ذبح بالجملة والمفرق.. طوفان من الدم والدمار في غزة . لا يتعلق الامر بوحش تمرد على السلوك البشري، أو كما يصفوه عادة بمعتوه وانما بعموم المستوطنين في الضفة المكلومة.
عندما تجرأوا على دم محمد ابو خضير ظننا انها الجريمة الاخيرة. صمتنا أو كدنا، ولم نفعل سوى الكلام. وبعد جريمة اغتيال علي بدم بارد ارتفع سقف النضال الكلامي اطلقنا الصواريخ اللفظية وبعض الصواريخ التي لم تصب مستوطنا ولو بالهلع. مارسنا حروب الكلام بجدارة وانتصرنا فيها لاننا نملك رصيدا من القاموس اللغوي لا يملكه شعب اخر مدعما بآيات قرآنية وامثال شعبية وابيات شعر جاهلي وعباسي ومعاصر.. لا فرق.
فشلت كل العواصم العربية ان توحدنا، فوحدنا صراخ الرضيع بألمه ودمه. اكتشفنا أننا يجب أن نتصارح قبل أن نتصالح لكننا اختلفنا في رد الفعل على الجريمة: ثمة من ارتأى الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، وثمة من ارتأى اطلاق صواريخ من باب "فشة الخلق" واثبات الحضور، فيما اكتفت الغالبية باطلاق الصواريخ اللفظية، وكفى المؤمنين شر القتال.
في رأيي أن الصحفي الاسرائيلي رون بن يشاي كان مصيبا عندما قال ان القتلة ليسوا اؤلئك المستوطنين بل المشرع والقاضي والمدرس والحكومة الاسرائيلية، والجيش الذي يرافقهم ويقدم لهم الحماية والتشجيع، يبقي السؤال: ما الذي يمنع المستوطنين من استباحة دمنا وارتكاب جريمة اخرى في قرية اخرى اليوم أو غدا؟
وفي ظني ان لا الجيش الإسرائيلي ولا شماعة التنسيق الامني يحول دون وصول فدائي واحد وتنفيذ الرد في المستوطنة ذاتها التي جاء منها القتلة وليس غيرها. عندها ستلجم الحكومة الإسرائيلية كلابها البشرية المسعورة، عندها سينام "علي" هادئا، وسنقوى على مداعبة اطفالنا واحفادنا، وسيتذكر العالم ما نسيه أن الاستيطان جوهر الجريمة وممهد لكل الجرائم السابقة واللاحقة، الامر الذي سيدفع قادة المنطقة للبحث عن صيغة لوقف الانجرار الى حرب يتجنب دخولها من اكتوى بنارها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية