أفادت القناة التليفزيونية الإسرائيلية الرسمية «كان» وموقع «إيلاف» السعودي، الأحد الماضي، نقلاً عن مصادر في مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن الرياض أبلغت الإدارة الأميركية بوقف المحادثات بشأن التطبيع مع إسرائيل. ونقلت الأخيرة الرسالة إلى إسرائيل. والسبب المعلن لهذه الخطوة السعودية هو امتناع الحكومة الإسرائيلية عن تقديم أية خطوة تجاه الفلسطينيين. فالسعودية ربطت التطبيع بعدة شروط منها موافقة واشنطن على تزويد السعودية بمفاعل نووي مع قدرة على تخصيب اليورانيوم، وضمان حماية أمن السعودية وتوفير كل ما تطلبه من أسلحة متطورة للغاية، وحدوث اختراق جدي في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أي قيام إسرائيل بخطوات ملموسة تجاه عملية سياسية جادة تفضي إلى تطبيق المبادرة العربية للسلام وقيام دولة فلسطينية. ومن الواضح أن حكومة نتنياهو غير قادرة ولا ترغب في تقديم شيء للفلسطينيين حتى لو كان لفتة رمزية.
الولايات المتحدة لم تقر بفشل جهودها، وقالت وزارة الخارجية «مكتب شؤون الشرق الأدنى» في تغريدة على موقع X «تويتر سابقاً» أن أميركا ستظل ملتزمة بتعزيز إسرائيل إقليمياً، من خلال «الدبلوماسية النشطة التي تهدف إلى التطبيع الإسرائيلي- السعودي»، وأن «المحادثات مستمرة، وتتطلع إلى مزيد من المحادثات مع الجانبين». إعلان فشل الإدارة الأميركية في الواقع سيكون ضربة قوية للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي على ما يبدو يراهن على تحقيق انجاز سياسي يساعده في الانتخابات الأميركية العام القادم. فهو يريد أن يثبت لداعميه وخاصة للوبي اليهودي أنه يحرص على مصالح إسرائيل وأنه يحقق انجازات سياسية في الشرق الأوسط على ضوء الفشل الأميركي في معظم الملفات وتراجع الدور الأميركي في المنطقة.
لا يحظى بايدن بدعم الحكومة الإسرائيلية في الواقع، فهي أقرب إلى منافسه دونالد ترامب الذي لا يؤيد حل الدولتين، والذي قرر الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، على عكس الرئيس بايدن. وهناك خلاف إسرائيلي- أميركي بعد صفقة التبادل التي جرت بين أميركا وإيران، وقيام الأولى بتحرير مبلغ ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة، حول الملف النووي الإيراني. وإسرائيل تعتبر أن إيران تجاوزت كل الخطوط الحمر في موضوع تخصيب اليورانيوم والاقتراب كثيراً من تصنيع القنبلة النووية، وهي لا تستطيع فعل شيء في مواجهة ذلك بسبب الموقف الأميركي الذي يميل للاتفاق مع طهران. ولهذا يحاول بايدن تعويض إسرائيل بتطبيع علاقاتها مع السعودية حتى يحدث بعض التوازن.
في الحقيقة، الخلاف بين السعودية وإسرائيل لا يتعلق فقط بالملف الفلسطيني، الذي وضعته الرياض كشرط مسبق جوهري لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، بل كذلك بموضوع المفاعل النووي السعودي. فإسرائيل الحكومة اليمينية المتطرفة والمعارضة وعلى رأسها يائير لابيد ترفضان فكرة أن تحصل السعودية على قدرات تخصيب يورانيوم. والادعاء الإسرائيلي في هذا الشأن هو أن هذا التطور سيقود إلى سباق تسلح نووي في المنطقة، فعندما تملك السعودية مثل هذه القدرات من يمنع دول عربية أخرى من امتلاكها؟ وللحقيقة تخشى إسرائيل من امتلاك أي دولة عربية لقدرات نووية بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم ومدى قربه من إسرائيل والولايات المتحدة، والسبب حالة العداء التي تسود بين الشعوب العربية وإسرائيل وعدم وجود ضمانات بألا تتغير الأنظمة العربية على غرار ما حصل في عدة دول في فترة ما يسمى «الربيع العربي». وهناك بحث إسرائيلي يشير إلى أن الشعب السعودي أكثر عداءً لإسرائيل من الشعب الإيراني.
ليس واضحاً، بعد الإعلان عن وقف محادثات التطبيع كيف ستسلك السعودية في موضوع المفاعل النووي السعودي. فالرياض حصلت على اقتراح صيني بإنشاء مفاعل نووي متطور يتضمن كل القدرات التي تريدها السعودية. فهل تذهب الأخيرة لهذا الخيار، وهل كانت تناور حتى تحصل على اتفاق مع الصين دون معارضة أميركية جدية على ضوء فشل واشنطن في توفير ما تحتاجه السعودية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة. لكن يبدو جلياً أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوجه الصفعات الواحدة تلو الأخرى للرئيس بايدن، ويبدو أنها أصبحت تطال نتنياهو أيضاً. وحلم بن سلمان هو أن تصبح السعودية قوة إقليمية تنافس على زعامة المنطقة ليس أقل من إيران وتركيا وإسرائيل.
لقد أدركت السعودية والأمير محمد على وجه الخصوص أن ضمان تبوُّء السعودية للموقع الذي تصبو إليه يعتمد على استقلالية القرار السعودي، وخروج السعودية من العباءة الأميركية، والانطلاق نحو الاستفادة من التوازنات والصراعات الدولية وحماية مصالح البلاد واقتصادها وازدهارها. ولهذا كان قرار المملكة الانضمام إلى تكتل «بريكس» الذي يعلن صراحة أنه يحارب سياسة القطب الواحد وهيمنة أميركا على الاقتصاد العالمي. ولعل المحادثات التي تجريها السعودية مع الهند للتبادل التجاري بالعملات المحلية هي أكبر دليل على تمرد السعودية التي أغضبت واشنطن ثلاث مرات بالاستمرار في خفض إنتاج البترول في إطار اتفاقها مع روسيا في ائتلاف «أوبك زائد» على خلاف الرغبة الأميركية تماماً. فهل تمضي السعودية تحت قيادة بن سلمان نحو الاستقلال التام عن واشنطن؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية