ليس بعيدا عن الهجمة التي تتعرض لها المؤسسات الأهلية والحقوقية الفلسطينية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، من اغلاق وتقييد للحركة وملاحقة عدد من أعضائها، ووصفها بالإرهاب في إطار طمس الحقائق وتغييب الرواية الفلسطينية، يتفق طرفا الانقسام على سياسات واحدة تجاه المؤسسات الأهلية والحقوقية رغم خلافهما السياسي، فمرة يشترطون موافقة مجلس الوزراء على المشاريع لإجراءات الصرف المالي، ومرة أخرى يخضعون عدد من أعضاء المؤسسات لقيود امنية لمشاركتهم في عضويات تلك المؤسسات ومجالس ادارتها، إضافة إلى سلطة البنوك التي لا تستند لقانون لا تنفك عن اغلاق حساب أي مؤسسة تحت مبررات صنعتها لنفسها، في حين انها من صناعة الأمن.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوز لفرض قيود أخرى كقرار مجلس الوزراء الأخير بتاريخ 11/9/2023 بمنع مشاركة الموظفين المدنيين والعسكريين، مما يشكل تقييداً لحق موظفي القطاع العام بالمشاركة في الحياة المدنية والاجتماعية، وبخاصة تقييد حقهم في تشكيل الجمعيات والاتحادات والروابط والانضمام إليها، وهي حقوق وحريات دستورية مكفولة في القانون الأساسي، وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين، إضافة إلى أن هذا التقييد من شأنه أن يضعف ويعرقل عمل بعض المؤسسات غير الحكومية، ويحد من قدرتها على القيام بعملها التنموي بحرية وفق أنظمتها الداخلية، ويحرم المجتمع من طاقات وخبرات يمكن الاستفادة منها في العمل التطوعي.

وقد سبقه قرار لوكيل وزارة الداخلية بقطاع غزة يحمل رقم (1) لسنة 2022 غير منشور يضيف جملة من القيود الجديدة على عمل هذه المؤسسات باشتراط الحصول على اذن مسبق وتصريح لقيامها بنشاطاتها في الأماكن المغلقة وطبقته قبل نشره ماسا بذلك بحقوق المواطنين الدستورية والقانونية بمخالفتها للقانون الأساسي الفلسطيني وقانون الاجتماعات العامة رقم (12) لسنة 1998، مخالفا بذلك مبدأ المشروعية ومبدأ تدرج التشريع، والذي يشترط ألا يخالف القرار أو اللائحة الصادرة عن الجهات التنفيذية التشريعات السارية ناهيك ان جزءأً من طبيعة هذه القرارات ذات خلفية ايدلوجية في قطاع غزة

إضافة إلى القرار رقم (4) لسنة 2023 الصادرة عن الإدارة العامة للشؤون العامة والمنظمات غير الحكومية والذي يشترط على المؤسسات الحصول على الموافقات اللازمة من الدوائر الحكومية قبل تنفيذ برامجها ومشاريعها في قطاع غزة فلم تكفيه القيود السابقة واراد ان يفرض مزيدا منها متجاوزا صلاحياته التي منحه إياها القانون في تسجيل الجمعيات دونما تدخل في عملها.

ما سبق ذكره يعد تغولاً واضحاً ومعلناً على القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات، له معنى واحد فقط، وهو التعسف في استعمال السلطة وتشريع ما يخدم الحفاظ على النظام السياسي للحزب الحاكم وصل حده لشبهات الفساد السياسي.

وإن تساءلنا، لماذا تقوم الجهات الحاكمة في الضفة الغربية و قطاع غزة بذلك؟

يبدو أن الجهات الحاكمة في الضفة و القطاع تعيش ازمة حقيقية على المستوى السياسي والمالي، نتج عنها العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فليس بعيداً عنا جملة الاعتصامات المدنية سواء في قطاع غزة او من موظفي الصحة والتعليم في الضفة الغربية، وربط الهوس الأمني والأصوات المتشددة لدى الجهات الحاكمة، هذه التحركات أو جزء منها بدور المؤسسات الأهلية التي لا تنفك عن النضال من اجل حقوق المواطنين.

ومن وجهة نظر أخرى فإنني ألوم بعض مؤسسات المجتمع المدني والتي عملت بحسن نية وبناء على وجهة نظر قد تكون نضالية بالقيام بأدوار يجب أن تكون حصراً من مهام الجهات الحكومية في مجال التعليم والصحة والمساعدات مما كرس صورة ذهنية عن أن هذا واجب المجتمع المدني ما ساهم في أطماع الجهات الرسمية بهذا الدور.

لقد اختلفوا في السياسة ولا يزالون، ولكنهم اتفقوا في سياساتهم للحفاظ على حكمهم، ولكن لم نكن نتوقع ان يصل هذا التوافق الى هذا المستوى من التطابق تجاه المجتمع المدني قاصدين ترويضه .

نصيحتي لكم، ركزوا في أدواركم كأولي أمر مسؤولين عن هذا الشعب القابع تحت الاحتلال، ولا تعيشوا وهم الدولة والاستقرار الوهمي، عودوا إلى شعبكم ليلتف حولكم فهناك أولويات أعظم من هذه التفاصيل..

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد