تلتصق مهنة الصحافة بمفردة "الأخلاق"، قيمة وسلوكاً واتجاه حياة، ولا مساغ للحديث عن صحفي جاد ومثابر ومتابع ومنصف وقادر على نقل الحقيقة للناس إلا إذا كان على خُلق، والأخلاق هنا معيارية ونسبية، والمقصود بها هو التزام الصحفي باشتراطات العيش داخل مجتمع، لجهة المحافظة عليه وصيانة أمنه الداخلي وحماية وحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي، ولا عجب أن نرى صحفية أجنبية ترتدي غطاء الرأس في مجتمع مسلم، أو تدخل دور العبادة حافية القدمين، فهذه تعتبر من أبجديات العمل الصحفي، وكل من يتجاوز هذه الحدود لا يمت لعالم الصحافة والإعلام بصلة، حتى لو بلغ به المطاف أن يكون رئيساً لتحرير أكبر صحف العالم أو أهم إذاعات الدنيا أو أضخم فضائية في الكون، أما على مستوى السلوك الشخصي، فالأخلاق هنا هي الصدق، حيث لا مجال للكاذب أن يكون صحفياً، والصدق في عالم صاحبة الجلالة الصحافة هو لصيق بمفردات ثلاث، الدقة والموضوعية والحياد، ويسميها فقهاء الإعلام الدولي "عذرية الفتاة في الوسط الصحفي"، بحيث إن خُدشت فلن تقوم لوسيلة الإعلام بعدها قائمة، ومن تلوث بالكذب مرة فقد أصابته الخطيئة بحيث لن يكون موضوعياً قط، وإن اجتهد ليصبح كذلك، شيءٌ يشبه إلى حدٍ كبير عدم الأخذ بشهادة من جُلد بحدٍ من حدود الله وفقاً للشريعة الإسلامية.
يظهر بين الفينة والأخرى أناسٌ يحيطون أنفسهم بهالة من القداسة، الناس من وجهة نظرهم مخطئون وهم (وحدهم) على صواب، يدّعون احتكار الحقيقة ويتهمون الناس بالجهل، ويميزون أنفسهم بأنهم الأقدر على تقييم العباد، وبرغم أننا ما زلنا نجهل الجهة التي منحتهم "صكوك الغفران" وأعطتهم الحق في "الحرمان" ونصبت تحت تصرفهم "محاكم التفتيش"، إلا أننا نغامر بالإدعاء أن هؤلاء، قديسون موسميون، يظهرون فجأة كما يختفون فجأة، ثم لا تراهم الأعين إلا في الخطوب الجسام، فما أن تقع مصيبة أو كارثة حتى يخرجوا بشعارات يزايدون فيها على أكثر الناس تطرفاً، ثم ما أن يبدأ الفعل وردة الفعل حتى ينزووا في جنبات المكان بحثاً عن ملاذ آمن في ذروة الاصطدام وفي خضم الحدث.
يتسلق هؤلاء الانتهازيون كل عتبة، ويشقون كل درب، مراءاة ونفاقاً ومداهنة، بحثاً عن مربع الأمان الاجتماعي والمهني والوظيفي، ولا مانع لديهم أن يبيعوا كل ثمين من أجل أن يصلوا إلى مرادهم، ويسبحون مع أو ضد التيار وفقاً لتقلبات المناخ، وبوصلتهم الوحيدة هي مصلحتهم الشخصية ومطالبهم المادية، أما ما سوى ذلك من شعارات فهي رهينة المشهد وتطوراته وتداعياته والمنطلقات الخاصة بكل مرحلة من مراحل نمو المشروع الأناني.
على هذا يمكن أن يُقاس كل فعل إعلامي وكل سلوك، من تصريح المسؤول إلى مقالة الكاتب إلى تحقيق المراسل إلى رسام الكارياكتير إلى المصور وغيرهم، نضع العمل الإعلامي، وفقاً للفن الصحفي المعترف به، على ميزان الذهب الصحفي، ونقيس مدى أخلاقية الفعل أو عدم أخلاقيته من واقع التجربة والبرهان، وبعدها نقرر أي سلوك اتبع هذا في الوصول إلى غايته أو هدفه أو فرض منطقه، ولا خير في أمة يكذب إعلامها أكثر مما يصدق، ولا أمل ولا مستقبل لشعب رهن مصيره لصحفي اعتبر الوطن وسيلة لا غاية، والله المستعان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد