لم يحقق الفلسطينيون أياً من تطلعاتهم بدون نضال وتضحيات، ففي المرحلة الأولى من نضالهم خارج فلسطين، دفعوا أثماناً باهظة حتى: 1- استعادوا هويتهم الوطنية التي كانت مبددة، مبعثرة بهويات فرعية مختلفة، 2- الاعتراف بتمثيلهم المشترك عبر مؤسسة تمثيلية موحدة هي منظمة التحرير، 3- الإقرار بحقوقهم: حق العودة وفق القرار 194، وحقهم في الدولة وفق القرار 181، وعليه صدرت كافة القرارات التي تجاوزت القرار 302 المتضمن تشكيل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

أي أن النضال الفلسطيني حوّل قضية الفلسطينيين من قضية إنسانية تتمثل بالعناية باللاجئين، تم تحويلها إلى قضية سياسية، تتعلق بشعب يتطلع نحو العودة والدولة، وكان ذلك حصيلة النضال ومقدماته خارج فلسطين.

بعد الخروج من بيروت، على أثر الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان 1982، تحول الاهتمام والبرنامج الوطني للقيادة الفلسطينية نحو العمل والتنظيم والنضال داخل فلسطين، حيث أثمر ذلك بتفجير الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 ذات الطابع السلمي على الأغلب عبر المظاهرات والاحتجاجات ضد الاحتلال، والتصادم مع قوات المستعمرة وأجهزتها، وقد أجبرت فعاليات الانتفاضة الأولى وتضحياتها على الإقرار والاعتراف الإسرائيلي الأميركي بالعناوين الثلاثة: 1- بالشعب الفلسطيني، 2- بمنظمة التحرير، 3- بالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني، وعليه جرت سلسلة التحولات على الأرض ونقل الموضوع الفلسطيني من المنفى إلى الوطن، وسلسلة الإنسحابات الإسرائيلية من أغلبية المدن الفلسطينية باستثناء القدس والخليل.

مفاوضات كامب ديفيد تحت الرعاية الأميركية في تموز 2000، أخفقت ولم تحقق إستكمال الخطوات المطلوبة نحو الإنسحاب الإسرائيلي، وإزالة المستوطنات، وعلى أثر فشل المفاوضات مع يهود براك برعاية الرئيس الأميركي كلينتون، انفجرت الانتفاضة الثانية عام 2000، بعد أن تحالف الرئيس ياسر عرفات مع أحمد ياسين قائد حماس ومؤسسها، وتنفيذ عمليات موجعة ضد الإسرائيليين، أرغمت شارون على ترك قطاع غزة ، والرحيل عنه، بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال.

في المحطات الكفاحية الثلاثة: 1- خارج فلسطين، 2- الانتفاضة الأولى، 3- الانتفاضة الثانية لم يحقق الفلسطينيون مكانة أو ينالوا مكسباً، لسواد عيونهم أو لعدالة قضيتهم، أو لحسن أخلاق المستعمرة وقياداتها، أو من أسيادها وحلفائها ، بل حقق الفلسطينيون مكاسب جدية حقيقية ملموسة بفعل نضالهم وتضحياتهم.

مسار المفاوضات وحدها كوسيلة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، فشلت وأخفقت، لأن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لم تكن مسنودة بروافع كفاحية تفرض على الإسرائيليين التراجع والإنحسار، أو أي إنسحاب جديد، بل إن غياب الفعل الكفاحي أدى إلى تحول استيطاني كبير غير مسبوق، وهو نتاج التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وتحول جناحا السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة فتح، والسلطة في غزة بقيادة حماس، تحولوا إلى أسرى خيارات المستعمرة الإسرائيلية، ويقبلوا بالفتات المالي والخدمات التي تقدمها المستعمرة، للطرفين في رام الله وغزة.

الكفاح الفردي مهما بلغت تضحياته وبسالته لن يعط الفائدة المطلوبة، بدون مشاركة حقيقية من فتح وحماس وباقي الفصائل الوطنية، وإنهاء سياسة التنسيق الأمني من قبل سلطة رام الله، والتهدئة الأمنية من قبل سلطة غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد