كلما قام المستوطنون بارتكاب أية جريمة ضد أهلنا في الضفة أو ضد المقدسات الإسلامية؛ تتعالى الأصوات بضرورة الرد، الرد الذي يحدده كل فصيل وكل تيار وكل ذو سلاح في المكان والزمان والشكل المناسب له، فلم يعد هناك زمان ومكان وشكل مناسب لفلسطين، هكذا تتجاذبها النوازع التي تريد ان تصل الى تحقيق مصالحها الخاصة، ويستدعى الشهداء لإنقاذ الأحياء من مأزقهم، ويستدعى مقطعًا من التاريخ من أجل الاستنساخ بدون أدنى قراءة نقدية للتاريخ، وبدون دراسة المقدمات التي صنعت التاريخ، والتي أيضًا أوصلتنا الى ما نحن عليه، وهكذا نفعل في كل رد على الاحتلال وجرائمه، فنستدعي العياش وأبو الهنود وطوالبة عندما نعجز من ان تستجيب لنا الضفة ضمن النهج الذي نريد، فصيل آخر يستعي شهداء آخرين ارتقوا على أرض غزة بعد ما عجز عن ان تستجيب له غزة، لم يدرك العاجزون ان الشهداء اصطفاهم الله عز وجل ليكونوا شهداء على مرحلتهم ولن يكونوا شهداء على مرحلة زمنية أخرى، ولن يقوموا بالمهام بدلًا عن العاجزين، هؤلاء الشهداء على درجة من الصدق بحيث لو كانوا في زمن آخر سيكون موقفهم مرتبط بأفضل ما يستشهد به ولذلك ربما شهادتهم ستختلف، وسيكونون على إدراك بأن عليهم فعل ما يجب فعله، هؤلاء الشهداء عاشوا ظروفًا متعددة، فلم يقوموا بإطلاق النار لحظة ان امتلكوا السلاح، لقد تدرب الشهيد طوالبة داخل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وكان أحد أفرادها، وكما اخبر رفاقه عنه بأنه كان لا يصطدم معها في أسوأ الظروف وكان مصغيًا لسياسة "أبو عمار" رغم انه لا يتوافق معها لكنه كان بحاجة الى خط التواصل الدقيق مع الرئاسة الفلسطينية ولا يريد اسقاطها وليست هدفًا له، وكذلك رفاقه من كل الفصائل فلم يكن همهم هذا، ولم يكن هدفهم مقرات الارتباط والتنسيق رغم انها كانت موجودة في الضفة، وهذا الأمر الذي جعل أبو عمار يطمئن إليهم، وبالضبط لأجل هذا وفقط من أجل هذا تمت تصفيته بالسم، ومن هنا فهؤلاء الشهداء استفادوا من الظروف أقصى الاستفادة، ولذلك كانت أشد العمليات فتكًا بالجيش الاسرائيلي هي التي كان يستعان على تنفيذها بإمكانيات أجهزة أمن السلطة.
هذه كلها تجربة واحدة من تجارب النضال الفلسطيني وحلقة مهمة من حلقاتها، لقد عمل الشهداء ضمن ظروفهم التي لا يجوز ان نستدعي استنساخها، فهناك التاريخ الفلسطيني حافل بالتجارب، بل والتاريخ البشرى، ورغم كل ذلك قد لا يصلح كل ما مضى من أدوات لاستخدامها في الحاضر. لم يذكر التاريخ قيادات استلموا الراية بعد سلفهم وأداروا المعركة بنفس الطريقة، كما ذكر الذين أداروا المعركة بشكل مختلف عن قائدهم وكان استشهاد قائدهم بداية لشق طريق جديد باستراتيجية جديدة، فليس دائما استشهاد القادة دليلًا على سلامة الطريق، بل ربما دليل على ضرورة مراجعة الخطط والأدوات، وربما الاستراتيجية كلها، ولكم في خالد بن الوليد مثال: لما كان يوم مؤتة وقتل الأمراء واستلم الراية كان استشهادهم مقدمات تلك الاستراتيجية الجديدة في إنقاذ باقي الجيش.
من جانب آخر؛ فإن العدو يستخلص العبر من كل إنجاز نحققه ويحوله الى هزيمة لمشروعنا إذا قمنا بالتكرار، فهو أقدر منا على استدعاء خطط الرد واستخدام الأدوات المطلوبة لذلك، ومن هنا فإن عدم البحث عن أدوات جديدة لإدارة الصراع مع العدو لاسترجاع حقنا، وبقاءنا نراوح بنفس الأدوات ليس الا فقدان الاستراتيجية، وبالتالي البوصلة، ولن يكون نضالنا إلا لهوًا بالحاضر بأدوات الماضي، وعلى حد تعبير أبو العلاء المعري:
وروم الفتى ما قد طوى الله علمه ... يعد جنونًا أو شبيه جنون
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية