للبيت الأبيض سحر خاص للغاية، يجعل من يسكنه، لمدة أربع سنوات أو ثمانية، يحن للعودة إليه مجددا، وحيث أن النظام الأميركي يمنع على أي رئيس الترشح أكثر من ولايتين متتابعتين أو متفرقتين، أي أن أطول مدة لمكوث الرئيس وعائلته في البيت الأبيض، وهو المنزل الرئاسي، حيث مكتب الرئيس ومنزل عائلته، طول فترة رئاسته فقط، هي ثماني سنوات، فإن الحنين بالعودة للبيت الأبيض، كثيرا ما داعب مخيلات ساكنيه، حيث نجح بعضهم وفشل أكثرهم.

وتحقيق ذلك الحنين يدفع بأصحابه للتفكير بالدفع بمرشح آخر من العائلة، غير الرئيس الذي استنفد حقه الدستوري بالمكوث في البيت الرئاسي، وفعلاً هناك البعض القليل من نجح في مسعاه، كان آخرهم عودة جورج بوش الابن للبيت الأبيض، مدة ثمانية أعوام، أي ولايتين رئاسيتين متتاليتين، بعد أن كان قد دخله كنجل للرئيس جورج بوش الأب، مدة أربع سنوات فقط، أما عن المحاولات الفاشلة للعودة للبيت الأبيض فهي أكثر من محاولات النجاح، وكان آخرها، محاولة زوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، هيلاري كلينتون، التي كانت على بعد خطوة واحدة أخيرة من تحقيق هدفها، ذلك أنها بعد أن نجحت في الظفر بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، خسرت الانتخابات أمام دونالد ترامب في العام 2016.

أما وصول المرأة الأميركية، فكان كما هو حال السود، فحتى العام 2008، لم يكن أحدهما قد وصل إلى منصب الرئيس، حيث تنافس في ذلك العام في آخر مطاف ترشيح الحزب الديمقراطي، كل من هيلاري كلينتون، وباراك أوباما، فتفوق أوباما عليها، ومن ثم على منافسه الجمهوري ليكون أول رئيس أسود لأميركا، أما المرأة فبعد أن شغلت مادلين أولبرايت منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون في ولايته الثانية، توالى احتلال ذلك المنصب عبر كوندليزا رايس وهيلاري كلينتون، لكنها تقدمت خطوة إضافية في آخر انتخابات رئاسية، حيث شغلت كامالا هاريس منصب نائب الرئيس الحالي جو بايدن.

ومع اقتراب فترة التمهيد للانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري بعد أكثر بقليل من عام، أي في تشرين الثاني العام القادم 2024، ومع وجود تحفظ رسمي دولي ومحلي وكذلك شعبي على المرشحين الأبرز للحزبين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن، وهما رئيسان مجربان، الأول لا يتمتع بترحيب حلفاء أميركا من الدول، ويمتع بشخصية إشكالية تواجه اتهامات قضائية، والثاني لا يتمتع حتى بأغلبية داخل حزبه، نظرا لضعفه خلال ولايته الأولى، وتقدمه في السن، فإن الأنظار تتجه نحو مرشحين آخرين، حيث ظهر على الجانب الجمهوري، نائب الرئيس السابق مايك بنس، وحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، كذلك المندوب السابق للولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي.

وكما جرت العادة، فإن الحزب الذي يكون في البيت الأبيض عادة ما يتقدم لانتخابات الإعادة بالرئيس كمرشح للحزب، أي أن العادة تقول بأن يختار الحزب الديمقراطي الرئيس بايدن كمرشح له في انتخابات العام القادم 2024، لكن وبسبب من تدني شعبية بايدن في استطلاعات الرأي، فإن الحديث بدأ يتمخض عن مرشحين محتملين للحزب، في مواجهة مرشح الحزب الجمهوري، ومن بين هؤلاء برز اسم زوجة الرئيس الأسبق باراك أوباما، السيدة ميشيل أوباما.

وميشيل أوباما التي ظهرت كشخصية قوية إلى جانب رئيس قوي، وذلك خلال فترة مكوثها في البيت الأبيض كسيدة أولى، إلا أنها لم تتول أي منصب رسمي حتى الآن، على عكس هيلاري كلينتون مثلا، التي تولت منصب وزير خارجية أوباما، كما أسلفنا، قبل أن تترشح لمنصب الرئاسة، لكن ميشيل أوباما تتمتع بمكانة شعبية كبيرة، حيث كانت قد نشرت كتابين بيعت منهما ملايين النسخ.

كذلك يمكن القول، بأن أحد أهم أسباب نجاح بايدن في الانتخابات السابقة هي كونه تولى منصب نائب الرئيس الديمقراطي القوي باراك أوباما، أي أن اسم أوباما يشكل رافعة لمن يتصل به في الانتخابات القادمة، كما حدث في الانتخابات السابقة، ومؤكد بأن الرئيس باراك أوباما لن يكتفي بمنح اسمه فقط لزوجته، بل إنه سيقوم كما فعل من قبل بيل كلينتون، بالمشاركة في حملتها الانتخابية أيا يكن منافسها، أي حتى لو كان نائبه السابق، الرئيس الحالي جو بايدن، وذلك في حال أن تقدمت فعلا ورسميا بالترشح للظفر بترشيح الحزب الديمقراطي أولا، وفازت به، لتواجه المرشح الجمهوري في المحطة الأخيرة للانتخابات الرئاسية.

وعلى الأغلب فإن الرئيس بايدن سيترشح رسمياً، لكنه قد ينسحب في فترة لاحقة، إذا ما تأكد له بأنه لن يتفوق على مرشح الجمهوريين، خاصة إذا ما اختاروا مرشحا غير ترامب، الذي ما زال بايدن يفضل أن يواجهه حصراً وبالتحديد، مجدداً لينتصر عليه، حين ذاك ستكون ميشيل أوباما مرشحاً مفضلاً لدى بايدن نفسه، فضلا عن كونها تتمتع بإجماع الديمقراطيين كونها تمثل استمراراً لخط أوباما في الحفاظ على وجود الديمقراطيين في البيت الأبيض.

في العام 2008، وبعد ولايتي جورج بوش الابن، انتظر المرشح الجمهوري هو جون ماكين، المرشح الديمقراطي وكان واحداً من اثنين _كما أشرنا أعلاه_ أي باراك أوباما أو هيلاري كلينتون، حينها كنت واحداً من الذين اعتقدوا بأن الحزب الديمقراطي سيخسر انتخابات الرئاسة لأنه سيقدم في مواجهة الجمهوري ماكين إما رجلاً من السود، أو امرأة، وذلك اعتقاداً مني بأن الثقافة الذكورية والعنصرية ما زالت تتحكم بالأغلبية الناخبة، لكني كنت على خطأ، وفاز أوباما، وكان رئيساً قوياً، وبذلك ظل منصب الرئيس ينتظر أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة لتشغله.

وكانت قد حانت الفرصة لإغلاق هذا النقص في تاريخ الانتخابات الأميركية حين فازت كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي عام 2016، لكنها خسرت أمام دونالد ترامب، وذلك لأن فرصتها كانت ضئيلة بعد ولايتي الحزب الديمقراطي ما بين عامي 2008_2016 في البيت الأبيض، وليس لأي سبب آخر.

وقد شغلت النساء في أكثر من بلد ديمقراطي غربي وشرقي المنصب السياسي الأول، ولكن تحديدا منصب رئاسة الحكومة في الدول البرلمانية، فضلا عن شغل الملكات المنصب الشرفي الأول في العديد من الدول الملكية البرلمانية، مثل بريطانيا، هولندا، الدنمارك، وقد وصفت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر بالمرأة الحديدية، وكذلك كان حال المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، فيما كانت أنديرا غاندي واحدة من أشهر رؤساء الحكومات النساء في العالم، كذلك كانت غولدا مائير أكثر رؤساء حكومات إسرائيل تطرفاً وعنفاً، باختصار شغلت النساء المنصب السياسي التنفيذي الأول في الدول البرلمانية، من الهند وباكستان، إلى بريطانيا وألمانيا، وبقيت أن تفعل ذلك في الدول الديمقراطية ذات النظام الرئاسي تحديدا أمريكا، فهل تكون ميشيل أوباما أو نيكي هايلي أول رئيسة للولايات المتحدة، أم يكون لتقاطعات السياسة خلال عام قادم رأي آخر، أم أن الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها قائدة النظام الديمقراطي العالمي، ستفاجئ الدنيا كلها، بأن تجري الانتخابات الرئاسية القادمة بين مرشحتين للرئاسة مثلاً، تكون إحداهما متشحة باللون الجمهوري الأحمر، أي نيكي هايلي والثانية تزين عنقها بالشال الديمقراطي الأزرق، هي بالطبع ميشيل أوباما، حيث يمكن حينها أن يعيد الزمن نفسه بقدر صادم لوعي ذكوري، لو أن ميشيل أوباما هي التي فازت كأول رئيسة للولايات المتحدة، ليرافق لقب رئيسة الولايات المتحدة اسمها، بعد أن رافقه لقب السيدة الأولى، فيما سيعود الرئيس السابق باراك أوباما إلى البيت الأبيض برفقة زوجته مع لقب السيد الأول للولايات المتحدة!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد