القصة الأولى، هي تجربة علمية في علم النفس أجراها، البروفسور وعالِم النفس، مارتن سليغمان الباحث والمحاضر في جامعة بنسلفانيا، ورئيس الرابطة الأميركية في علم النفس، عمره 81 سنة، وهو من أبرز علماء علم النفس الإيجابي، وهو ثورة على علم النفس التقليدي.
«أحضر البروفسور مجموعة من الكلاب، وقسمها إلى ثلاث مجموعات. المجموعة الأولى تعرضتْ لصدمات بتيار كهربائي لفترة قصيرة، ولكنها تمكنت من الهروب، هذه المجموعة عادت إلى حياتها الطبيعية بلا أمراض!
أما المجموعة الثانية، فقد وُضعت في قفص يمكن فتحُه بحركة سهلة، تعرضت فيه هذه المجموعة أيضاً للصدمات الكهربائية نفسها، بقيت في القفص مدة أطول لكنها تمكَّنت من الخروج، ظهرت على هذه المجموعة علامات الاستسلام والخضوع، واحتاجت إلى علاجٍ حتى شُفيت!
أما المجموعة الثالثة، فبقيت مدة طويلة في قفصٍ مغلق تماماً، وليس هناك أي وسيلة ل فتح القفص، تعرضت هذه المجموعة للصدمات نفسها، فظهرت عليها علامات الاستسلام التام بوضوح، اعتادت هذه المجموعة احتمال الصدمات الكهربائية دون أن تبدو عليها علامات مقاومة، استسلمت وتأقلمت مع واقعها الجديد، ولم تحاول الخروج من القفص!
لم تنتهِ التجربة، بل قام البروفسور نفسُهُ بنقل المجموعة الثالثة المستسلمة إلى قفص المجموعة الثانية، حيث توجد إمكانية فتح القفص بحركات بسيطة والتحرر من الألم.. لم تحاول فتح باب الحرية والانعتاق!
استنتج البروفسور أن السجناء حين يُغلقون عليهم السجون ويتعرضون للتعذيب كما تعرضت له المجموعة الثالثة، فإن النتيجة هي وصول كثيرٍ من السجناء إلى حالة الخضوع، وبرزت عند بعضهم الرغبة في الانتحار، وانتقلوا إلى صراع مع بعضهم داخل السجن، وانقسموا إلى مجموعات وفرق متصارعة!
أما القصة الثانية، فهي قصة مشهورة أيضاً، وهي قصة (الفلاح وكيس الفئران) وهي تحكي قصة فلاحٍ مصري بسيط كان يحمل كيساً من الخيش ممتلئاً بالفئران الحية وهو مسافرٌ في أحد قطارات الريف إلى القاهرة، وكان يجلس إلى جوار هذا الفلاح مهندس، حيث لاحظ الأخير أن الفلاحُ يهزَّ الكيس بين الفينة والأخرى، سأل المهندسُ الفلاحَ عن محتويات كيس الخيش، فأجابه: «في الكيس عدد كبير من الفئران، اصطدتها لأبيعها لمركز الدراسات والأبحاث في القاهرة ليُجروا عليها التجارب العلمية، وهذا مصدر رزقي»!
سأل المهندس الفلاح مرة أخرى: ولكن لماذا تهزُّ الكيس بين الفينة والأخرى؟
رد الفلاح: «أنا أهزُّ الكيس حتى لا تتمكن الفئران من قرض الكيس المصنوع من الخيش لتحرر نفسها، فأنا أهزها باستمرار لتنشغل بمعاركها الداخلية بين بعضها البعض، لأن الفئران تعتقد أن حركة هزِّ الكيس ناتجةٌ عن مشاغبة وعبث بعض الفئران داخل الكيس، لذلك فهي تقتتل مع بعضها البعض، وتنشغل بحروبها الداخلية، وتنسى استخدام أسنانها الحادة لقرض كيس الخيش.
هكذا استثمر مسيّرو عصر العولمة والتكنولوجيا الرقمية هذه التجارب العلمية، ووظفوها لخدمة أهدافهم، فهم يهزون البشر المأسورين في شباكهم بالمشكلات الداخلية حتى لا ينافسوهم في ركوب قطار التقدم والرقي، ليظلوا رقيقاً لأباطرة الألفية الثالثة، وهم يصعقونهم صعقاتٍ كهربائية تنسيهم قضاياهم الرئيسة ومطالبهم المشروعة. يصعقونهم بأزمات، الكهرباء، والماء، وغلاء الدقيق والسكر، ومصارعات الأحزاب، وبحرارة الجو وبرودته، والإضرابات، والمباريات، وصراع الديكة في وسائل التواصل الرقمية!
هكذا أصبح إنسانُ عالم اليوم حقلَ تجاربٍ لكل أنواع المستحضرات ومنتجات عصر العولمة الجديد، فاستسلم معظمُ البشر ممّن عجزوا عن المنافسة النهضوية التكنولوجية فائقة السرعة، وخضعوا بلا جيوش أو حروب!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد