ثلاث نتائج سجلها التدخل العسكري الأميركي لدى البلدان العربية والإسلامية، أولها خسائر بشرية ملحوظة من الجنود والضباط الأميركيين، وثانيها خسائر مالية فادحة أضرت بالافتصاد الأميركي، وثالثها نتائج وخيمة على مسار الحركة السياسية في هذه البلدان، أدت إلى وقف التطور الطبيعي في مجتمعاتها نحو التنمية والديمقراطية، وأدت أيضاً إلى التراجع إلى الخلف ليكون البديل للأنظمة التي سقطت بفعل التدخل العسكري، أكثر رجعية وتخلفاً، وأدت إلى انتعاش الأفكار والرؤى والمفاهيم الرجعية والأصولية غير الديمقراطية، وصعود مكانة أحزابها وتنظيماتها المعبرة عن هذه المفاهيم.
في أفغانستان أنجب التدخل الأميركي تنظيم القاعدة ونظام طالبان، وفي العراق ولدّ تنظيم الدولة الإسلامية داعش ونظام ولاية الفقيه، وفي ليبيا تطورت الأمور لصالح القاعدة وداعش والإخوان المسلمين، ولذلك تم انتخاب الرئيس أوباما على برنامج عدم التدخل العسكري وانسحاب القوات الأميركية على خلفية إخفاق السياسة الأميركية وفشلها، ولهذا حصل أوباما مسبقاً على جائزة نوبل بسبب برنامجه الانتخابي، الهادف إلى كبح جماح التدخل العسكري الأميركي خارج حدود الولايات المتحدة، وقد انعكست هذه السياسة على القرار الأميركي لعدم الاستجابة للمتطرفين داخل مؤسسات صنع القرار في واشنطن، وعدم التجاوب مع المطالبات اليهودية الصهيونية ورغبات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي نحو الخيار العسكري في التعامل مع طهران.
الخيار الأميركي نجح في تجنب توجيه الضربة العسكرية لإيران، بعد أن نجحت العقوبات الاقتصادية في إنهاك الاقتصاد الإيراني، ما أدى إلى نجاح التوصل إلى تسوية واتفاقات مرحلية ذات طابع إستراتيجي خدمة لمصالح الأطراف جميعاً: الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين وكذلك لإيران وشعبها التواق للأمن والحياة والرفاهية، وللشعوب العربية التي لا مصلحة لها إلا بالتعايش والسلام وحُسن الجوار مع إيران ومع غيرها من القوميات والبلدان المجاورة.
مواصفات طهران عن الشيطان الأميركي الأكبر، ومواصفات واشنطن عن ملالي طهران وتدخلاتهم ورجعيتهم وإرهابهم الفكري، لم تحل دون التوصل إلى اتفاق وتفاهمات بين معسكري الشياطين، ليكونوا سوية مع بعضهم البعض على طاولة المفاوضات وفي تعاملهم على قاعدة الاحترام والإقرار بالمصالح، بينما الذين خدموا السياسات الأميركية، من زين العابدين بن علي إلى حسني مبارك وعلي عبد الله صالح وقبلهم شاه إيران باتوا مشردين أو مطاردين أو مسجونين، ولم ترحمهم خدماتهم للأميركيين ولم توفر لهم ملاذاً أو مكاناً آمناً للتقاعد، بعد أن قطعوا أشواطاً في حياتهم وباتوا على أبواب الرحيل.
رفض حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلية للاتفاق الإيراني مع الدول الكبرى مفهوم؛ لأنه يتعارض مع رؤيتها التوسعية وأن تكون وحدها الدولة القوية في منطقتنا العربية، ولكن رفض الأطراف العربية للاتفاق يعود لسبب جوهري، وهو أنها ستدفع الثمن واستحقاقات هذا الاتفاق كونها عاجزة عن مواجهة السياسات الإيرانية ومبادراتها في دعم حزب الله وأنصار الله والأحزاب العراقية وغيرهم.
والمأمول أن تتبنى بلدان الخليج العربي رؤية سياسية أمنية إستراتيجية بعيدة المدى تعكس برنامج مشتركاً يحميها من تفاهم الشياطين.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية