زلزال في غزة: ليس سياسيًا هذه المرة بل إنساني

القدس / سوا / مثل ثعلب ماكر، يرتدي كاتب المقال ثوب الإنسانية في تحليله لأحداث منع عرض فيلم وثائقي في كل من داري العرض سينما تك بئر السبع وسيديروت، رغم ان الفيلم لا يتعرض حسب وصفه الى لفظ "إسرائيل" ولا يوجه لها الاتهام بشأن ما جرى في غزة بالحرب الأخيرة عليها، ويتسلل بأفعوانية ليساوي بين الجلاد وضحيته، ويجرد الفيلم الذي تجرد من ذكر إسرائيل ليتمكن مخرجه من التسلل الى دور العرض الإسرائيلية وتنبيه المشاعر الإنسانية لدى قوم لا ينظرون ولا يسمعون ولا يعترفون إلا بأنفسهم ويبررون بالتلاعب بالألفاظ جميع سلوكهم الجمعي والمجتمعي تجاه الآخر، كما طاب للكاتب ان يسمي الفلسطينيين الغزيين الذين احتل قومه أرضهم وبلادهم وأخرجوهم منها عنوة ومارسوا في حقهم أبشع الجرائم بحق الإنسانية في العصر الحديث، ليزلزل بأوهامه ما تبقى في الإنسانية من وجد جبان يخشى سطوة قومه في المحافل الكونية.

وقال موقع المونيتور الاسرائيلي :"بعد انتهاء العرض الوحيد في إسرائيل في سينما تك تل أبيب للفلم الوثائقي "زلزال في غزة" في الـ 8 من يوليو؛ سأل المشاهدون المخرج خيرت وان كستران: هل يمكن تطبيق العلاج المعروض في الفيلم عليهم هم أيضًا؟

"زلزال في غزة" يوثق زيارة الطبيب المعالج الهولندي يان اندريه، الخبير في الصدمات النفسية لغزة بعد عملية "الجرف الصامد" (يوليو/ أغسطس 2014) ومعالجته في أوساط المصابين بالصدمة الفلسطينيين، المشاهدون الإسرائيليون افترضوا انه وكما يعالجون آلام الفلسطينيين فإن بالإمكان أيضًا معالجة آلامهم.

وحسب أقوال وان كستران ان هذا ما كان يقصده عندما طالب بعرض فيلم "زلزال في غزة" في سيديروت، للففت انتباه سكان المدينة الجنوبية، الذين يعانون في العقد الماضي من القذائف المستمرة تقريبًا من قطاع غزة، الى العلاج الذي يتلقاه الغزيين، وكذلك ربما لمساعدتهم؛ غير ان عرض الفيلم في سينما تك سيديروت قد ألغي إثر ضغوطات من قبل جهات من اليمين، وبعد ذلك ألغي العرض في بئر السبع، وفي الحالتين كانت البلديات هي التي أفشلت العروض المخطط لها، "اندريه يخرج بشكل بارز ضد دولة إسرائيل ويحملها كل الاتهام للوضع الذي يعيشه سكان وأطفال غزة" كتب رئيس بلدية سيديروت ألون دافيدي على صفحته في "فيسبوك" انه "فيلم مناهض للصهيونية، ومناهض لإسرائيل، متحيز وأحادي، نحتاج الى الكثير من الوقاحة والمرارة والسخرية لكي تدخل الى المدينة المنكوبة قساميين، إذ ان عرض فيلم من هذا النوع بمثابة دوس بالأقدام على مشاعر مواطني وأطفال سيديروت".

وصف دافيدي، والذي على ما يبدو لم يشاهد الفيلم، مخطئ تمامًا، اللفظة "إسرائيل" لا ذكر لها في الفيلم، وليس فيه رسائل مناهضة للصهيونية أو مناهضة لإسرائيل، "هم (الفلسطينيون) لا يلعبون لعبة الاتهامات" يقول وان كستران للمونيتور "انهم لا يتحدثون عن إسرائيل كمسؤولة عن وضعهم، انهم فقط يتحدثون عما جرى لهم، الفيلم ليس عن الحرب، وإنما عن الحرب الدائرة في رأسك بعد وقف إطلاق النار".

ومدير سينما تك سديروت أيضًا بني كوهين يقول ذلك "انه فيلم إنساني جدًا، ليس سياسيًا، انه لا يقول كلمة واحدة في الاستنكار على إسرائيل، لسذاجتي ظننت انه من الصواب عرضه لأنه يعرض معالجة أشخاص بصورة لافتة، ولكن يوجد هنا صعوبة في هضم مشاكل الآخر، أنا أفهم الناس في سيديروت، والذين قالوا ما حاجتنا لأن نشاهد معاناة غزة؟، فليس لديهم الفراغ لهضم أمور أخرى" قال للمونيتور.

معالجة اندريه تقوم على أساس نتائج حيوانية تظهر ان "الغزلان التي نجت من مهاجمة الأسد تستخدم الارتعاش كجزء من ردة الفعل على الصدمة" يشرح وان كستران، ومن ثم يشرع اندريه في علاجه للارتعاشات والهمهمات الحيوانية؛ الأمر الذي يصنع من الحرج ضحكًا وتسلية في أوساط مجموعات معالجيه وفي أوساط المشاهدين أيضًا، ولكن عندها وفجأة يتوقف اندريه ويطلب من المعالج ان يتذكر الصدمة وأن يتحدث عنها: الجمع بين البكاء والضحك من الارتعاشات والهمهمات، الى جانب وصف الألم والذكرى؛ يؤدي الى لحظات مؤثرة جدًا.

وان كستران يأسف كون الفيلم لم يعرض في سيديروت، ولكنه يبدي تفهمه للأسباب "على المستوى الشخصي؛ أستطيع بالتأكيد ان أفهم مشاعر سكان المدينة، أستطيع أن أفهم انها حرب متواصلة، وكيف يمكن ان تستعد للحرب القادمة إذا بدأت تفكر ان الفلسطينيين ربما محقون في أمر ما؟ أو ربما انهم بشر مثلنا تمامًا؟".

الفيلم "زلزال في غزة" جاء الى إسرائيل في فترة معقدة تدور فيها حرب ثقافية من نوع ما، حدود حرية التعبير تدرس كل حين بخصوص إمكانية انتقاد إسرائيل من خلال المنتجات الثقافية، الإسرائيليون يجدون صعوبة بالشعور بالإشفاق تجاه الفلسطينيين والاعتراف بألمهم، حتى وإن تم ذلك دون ورود ذكر إسرائيل، الى حد ما يبدو ان حقيقة الاعتراف بألم الفلسطينيين يفسر على انه "مناهض لإسرائيل".

دكتور رامي برغر، وهو طبيب نفسي خبير في معالجة أوضاع الأزمات والصدمات ومستشار في مركز الرحمة والإيثار في جامعة بن غوريون، يقول في حوار مع "المونيتور" رغم انه لا توجد معطيات مثبتة بشأن نضوب القدرة على التعاطف في إسرائيل، غير انه مقتنع بأن الأمر آخذ في التصعيد، "الأشخاص الذين يعيشون التهديد الوجودي أو من يظنون انهم موجودون تحت مثل هكذا تهديد لا يمكنهم رؤية معاناة الآخر" يشرح الدكتور برغر "مجموعات مثل هذه، ووفق أبحاث دولية يميلون الى الانغلاق على أنفسهم، وفي مجموعة مثل هذه لا يهتمون أيضًا بالمجموعات الأخرى داخل المجتمع، وبذلك يسود عدم التعاطف الإسرائيلي مع المجموعة المهددة بالفعل، وهم الفلسطينيون، حتى تجاه عرب إسرائيل، والوافدين من افريقيا، وحتى الاثيوبيين".

الدكتور برغر يعتقد ان الفهم الإسرائيلي الذاتي كمجتمع متعاطف خصوصًا "ان ذلك فشل ذريع في القدرة على التعاطف، الشفقة الحقيقية ليس تجاه من يشابهك؛ وإنما تجاه أولئك المختلفين عنك، أولئك الذين لا تستطيع ان تتضامن معهم، وحتى من يمكن أن يكونوا أعداءك احتمالًا"، "في إسرائيل يشرح "تفسر الشفقة آليًا على انها مصداقية للطرف الآخر، غير ان إظهار التعاطف لا يستوجب بالضرورة التضامن مع الآخر أو ان تكون شريكًا له في مواقفه".

المخرج وان كستران من ناحيته يحاول ان يهضم الجانبين "الصدمة هي أمر نتقاسمه جميعًا، انها لا تعود الى أشخاص بعينهم أو الى جهة بعينها، في إسرائيل كان في الحرب أيضًا عناصر عنيفين وضحايا أيضًا، تمامًا مثلما كان أشخاص كهؤلاء في غزة، ومن خلال الصحافة والفن تستطيع ان تنظر الى المرآة وترى أين تقف كإنسان وكمجتمع، هذا هو التحدي".

في إسرائيل هذا التحدي، تحدي النظر الى الآخر، على ما أظن غير ممكن اليوم.

ترجمة مركز أطلس 

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد