لا حاجة لاستدعاء شهادات الإعلام الإسرائيلي، أو شهادات بعض المسؤولين الأمنيين السابقين، وبطبيعة الحال من غير الضروري الاستشهاد بأيّ تقييمات فلسطينية ستكون مُنحازة، للتوصُّل إلى نتيجة بأنّ العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين ومخيّمها كانت فاشلة بامتياز.
الهدف الأهمّ الذي أعلنه بنيامين نتنياهو ، من وراء الحملة العسكرية، هو وضع المقاومين أمام خَيارين: فإمّا القبر وإمّا الأسر.
أما عن الهدف السياسي الاستراتيجي فقال نتنياهو: إنه يسعى خلف إزالة أيّ مؤشّر على وجود مشروع وطني فلسطيني.
هذه التصريحات المُوجزة لرئيس الائتلاف الحكومي الفاشي، والعنصري، تنطوي على رسالتين أساسيتين: الأولى للمقاومين، وحاضنتهم الشعبية في جنين ومخيّمها وقراها كبداية، والثانية للكلّ الفلسطيني بما في ذلك السلطة، بأن الأُفق مسدود تماماً أمام أيّ إمكانية للمُراهنة على تحقيق أهداف وطنية سياسية.
ما عبّر عنه نتنياهو بهذا الوضوح، يُلخّص سياسة إسرائيلية يجتمع عليها الجميع، في الحكومة و"المعارضة"، وفي المجتمع الاستيطاني، حيث لا يظهر أيّ خلاف بشأن كيفية التعامل مع الفلسطينيين وجوداً، ومشروعاً وحقوقاً.
في التقييم العام لمُحصّلة العملية العسكرية، في جنين، يقول بعضهم إن النتيجة صفر، والبعض الآخر يقول بأنها لم تكن أكثر من مُسكِّنٍ لمريض ميؤوس من شفائه.
وحتى يُقلّل البعض من حجم الفشل، فإنّه يعتبر أنّ العملية التكتيكية ناجحة من حيث أنّها حقّقت هدفاً عسكرياً رئيسياً وهو تقليص كمّية الذخيرة في أيدي المُسلّحين في جنين ومخيّمها.
تقليل كمّية الذخيرة لم يكن من بين الأهداف المُعلنة أو حتّى المُبطّنة للعملية الإجرامية، التي جنّدت لها إسرائيل من القوّات والأعتدة، وأنواع الأسلحة، ما يُمكّنها من خوض معركةٍ عسكرية كبيرة على جبهةٍ واسعة، وليس على مُخيّمٍ لا تزيد مساحته على نصف كيلو متر مربع، وعدد سكانه لا يزيد على سبعة عشر ألفاً.
ثمانية وأربعون ساعةً، من الهُجوم المكثّف بالطائرات الحربية والمُسيّرات، والمُدرّعات، والدبّابات والجرّافات والقوات البرّية من النُخبة، لم تنجح في الوصول إلى قلب المُخيّم، والنّيل من المقاتلين.
تضطرّ الجحافل الفاشية، للانسحاب قبل أن تُكمِل مهمّتها، ذلك أن المزيد من الوقت، كان سيؤدّي إلى توسيع دائرة الانفجار، ليشمل ساحات أخرى، عملت إسرائيل كلّ الوقت على تحييدها.
واضح أنّ إسرائيل تخشى من خوض معركةٍ واسعة مع جبهاتٍ عديدة، وإن كانت جبهات فلسطينية فقط، الأمر الذي يفضح ادّعاءات حكومتها، بأنّ لديها القدرة والجاهزية لخوض حربٍ على جبهات مُتعدّدة.
في اليوم الأوّل للحملة الفاشية، كانت الإعلانات الإسرائيلية تتحدّث عن عشرة أهداف أُخرى، تسعى لتحقيقها لكنّ الحملة انتهت، وانسحب الجيش من دون أن يُحقّق أيّاً من تلك الأهداف.
لا شكّ أنّ هذه الحملة الفاشية، قد أظهرت مدى تطوُّر قدرات المقاتلين، ومدى غِنى خبرتهم، ومدى صلابة إرادتهم في المُواجهة.
لا بُدّ أنّ المقاومين كانوا قد تحسّبوا لمثل هذا العدوان قبل أن يقع، فلقد كانت المُؤشّرات كثيرة على أن الحكومة الإسرائيلية عقدت العزم واتّخذت قرارها، وأجرت التدريبات والتحضيرات اللازمة، لشنّ مثل هذا العدوان على جنين ومخيّمها.
المصادر الإسرائيلية المُطّلعة أشارت إلى أنّ الجيش قد بدأ استعداداته لمثل هذه الحملة، منذ عام، أي منذ أن كانت حكومة يائير لابيد، وأنّ القرار تمّ اتخاذه قبل عشرة أيّام من وقوعها.
فشل تلو الآخر، يتهشّم خلاله الردع الإسرائيلي، الذي أرادت حكومة الاحتلال، وقياداتها العسكرية استعادته كواحدٍ من أهداف الحملة على جنين.
وبصراحة ينبغي أن تخجل الحكومة وأذرعها الأمنية والعسكرية، من أنّ جيشها الذي تدّعي أنّه لا يُقهر، يخوض المزيد من الحملات الفاشية المُتتالية والفاشلة ضدّ عددٍ قليل من المقاومين، أو ضدّ "الجهاد الإسلامي"، مع احترامنا للجميع.
ستكتشف المُستويات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية ولكن بعد فوات الأوان، انّ كلّ حملةٍ تقوم بها، أو يقوم بها المستوطنون من شأنها أن تدفع المزيد من الشباب نحو العمل المقاوم.
إسرائيل خرجت من جنين ومخيّمها، بحصيلةٍ محدودة، فلقد سقط اثنا عشر شهيداً وأُصيب نحو مائة مواطن، بالإضافة إلى اعتقال مئة وعشرين مواطناً بينما كانت تتحدّث عن وجود ثلاثمائة وخمسين مقاتلاً استهدفتهم حملتها الإرهابية.
الدّم الفلسطيني غالٍ على الشعب، ولا يُمكن التهوين بالثمن الكبير الذي دفعه الشعب في جنين ومخيّمها، ولكنّنا نتحدّث عن تقييمٍ لعملية إرهابية، كانت وفق الإعلانات الإسرائيلية تستهدف القضاء على المقاومة قتلاً أو أسراً، وتدمير ومصادرة كلّ ما يتواجد من أسلحة، وأدوات مقاومة.
لعلّ ما يُلفت النظر فيما ارتكبته حكومة الاحتلال من جريمةٍ، هو تدمير البُنية التحتيّة من ماءٍ وكهرباء، وطرق، وصرف صحّي، وعدد كبير من البيوت، وتهجير نحو أربعة آلاف مواطن، قد تكون هذه بروفة حقيقية، لارتكاب عملية تطهير عرقي، بحقّ الفلسطينيين، ولذلك وجب توفير كلّ الإمكانيات وبسرعة، لإعادة إعمار ما دمّرته الآلة الوحشية، ونحو تعزيز صمود ومقاومة أهل جنين ومخيّمها.
لا مهربَ لإسرائيل ولا أمن واستقرار، طالما استمرّت بهذه السياسة العنصرية الفاشية، وما وقع في تل أبيب ليس سوى بداية الردّ على جرائم الاحتلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية