قلقة حتى العجز، حكومة الاحتلال في مواجهة مسلسل الفشل الاستخباري والعسكري الذي يؤكد تراجع قدرتها على الردع، بما يعكس جملةً من المؤشّرات التي ترسم صورة جديدة مختلفة لإسرائيل التي لطالما تفاخرت بقدراتها المتفوّقة.
القوّة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، والتي تملك ترسانة هجومية ودفاعية تتفوّق على محيطها، وقدرات تكنولوجية واستخبارية وتجسّسية هائلة، هذه القوة المدمّرة، لم تعد قادرة على شنّ الحروب على جيوش خرجت من معادلة الصراع، ولا هي قادرة على حماية جبهتها الداخلية، أو ممارسة الحروب الخاطفة.
تقف آلة الدمار التي تملكها إسرائيل عاجزةً أمام تطور قدرات المقاومة التي تمارسها فصائل وأحزاب، وجماعات منفردة، جعلت كل الجبهة الداخلية الإسرائيلية في دائرة فقد الأمن والاستقرار.
من بين كل التهديدات التي تحيط بإسرائيل العنصرية المحتلّة، تقف الضفة الغربية بما في ذلك القدس في رأس الأولويات، بالنظر لأولوية أهداف دولة الاحتلال التي تسعى لحسم الصراع وتحقيق أهدافها التلمودية والاستعمارية.
ثمة متغيّرات ذات أبعاد تاريخية إستراتيجية تجري على المستويين الدولي والإقليمي، تحمل في طيّاتها، المزيد من الفشل للسياسات الإسرائيلية، وتضع الحكومة المتطرفة أمام خيارات صعبة لا تخلو من شعور النخبة بالخطر الوجودي.
الخوف من الخطر الوجودي، مصدره الأساس دون تجاهل المصادر الأخرى، ما يتصل بالأزمة الداخلية، التي تتفاقم يوماً بعد آخر، وتستنفر كلّ التناقضات والصراعات في نظام الحكم كما في المجتمع، وتهدّد بتفكّكه، وربما تغّذي المزيد من العوامل التي قد تشعل حرباً أهلية حذّر منها الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوغ، وآخرون.
تداعيات العنصرية التي تشكل هوية الدولة لا يظهر طفحها على جسم الفلسطينيين فقط، وإنما تظهر على جسد المجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش تناقضات متعدّدة بحكم تركيبته البنيوية.
من حيث المبدأ، لا يمكن لأي قوة مهما امتلكت من القدرات العسكرية والاقتصادية أن تحمي مجتمعاً هشّاً، منقسماً، تخترقه كلّ أنواع التناقضات، وأشكال العنصرية، ومحكوماً لبنية وأهداف استعمارية يسعى لتحقيقها من خلال قوّة البطش، وتفاقم أشكال وأساليب العنصرية الفاشية والإرهاب، ضد شعب عنيد، وصاحب الحق مثل الشعب الفلسطيني.
مثل هذه الدولة ستكون فاشلة، ومثل هذه القلعة التي تبدو على أنّها حقيقة، من المؤكد أنها ستنهار من داخلها، أما العوامل الخارجية، فسيكون لها دور العامل المساعد في تسريع أو إبطاء الانهيار.
خلال شهر واحد، واجهت حكومة نتنياهو سلسلة من الأحداث التي أظهرت فشلها. إسرائيل فشلت في مواجهة مع حركة الجهاد الإسلامي التي لا تحسب قوتها بالقياس لما تملكه إسرائيل التي عاشت أيّاماً من الشلل الكامل.
فشل آخر استخباري وعسكري وقع على الحدود مع مصر حين نجح الشهيد محمد صلاح، في قتل ثلاثة جنود، دون أن تتمكن إسرائيل من الرد، وكان عليها أن تبتلع مرارة الفشل.
لم تتوقع المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، المستنفرة كل الوقت من معرفة ما دبّر لها المقاومون الفلسطينيون في جنين، حين شنّت حملة عسكرية لاقتحام المخيم، الذي فاجأها بكمين محكم، واستخدام للمتفجرات، فقدت إسرائيل سبع آليات تم إعطابها، من بينها المدرعة «نمر»، وأصيب خلال الاشتباك سبعة جنود إسرائيليين، وأصيبت مروحية.
يوم الاثنين المنصرم، شكّل انعطافة في الصراع حيث فوجئت القوات الإسرائيلية، بتطوّر قدرات وتكتيكات المقاومة.
فشل آخر، وقع في اليوم التالي مباشرة، بعد فشل القوات الإسرائيلية في جنين حين نجح مقاومان من «كتائب القسام» في قتل أربعة مستوطنين وإصابة أربعة آخرين في مستوطنة «عيلي» بين نابلس و رام الله .
التحدّي الذي تواجهه إسرائيل في الضفة والقدس، يزداد تعقيداً، فلقد نفّذت جماعات المقاومة منذ بداية العامة مائة وسبعا وأربعين عملية سقط خلالها ثمانية وعشرون جندياً ومستوطناً عدا الإصابات، وتحوّل العمل الفدائي الفردي إلى عملٍ منظم وتحد علني.
يؤشّر ذلك على حقيقة أنه مع تصاعد الحملات العسكرية والاستيطانية لقوات الاحتلال، تتصاعد قدرات وتكتيكات وعمليات المقاومة، ويزداد الثمن الذي يدفعه المستوطنون.
بعد عمليتي «جنين» و»عيلي»، يظهر الارتباك الشديد على مستويات صنع القرار في إسرائيل، وتنحصر خياراتها في احتواء المقاومة.
هل تقوم إسرائيل بشنّ عملية «سور واقي (2)» على شمال الضفة كلها في وقت واحد، أم تشن عمليات عسكرية على كل منطقة على حدة.
بعد عملية «عيلي» عقد المجلس الأمني الإسرائيلي المصغّر اجتماعاً لتقييم الوضع، استثني منه كل من إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ولم يصدر عنه ما يؤشّر على الخيارات الأساسية، واكتفى باتخاذ قرار لتعزيز قوات الجيش في الضفة بثلاث كتائب.
هذا يعني أنّه لا يوجد ردّ، رغم فداحة ما تعرّض له الجيش والمستوطنون. ولكن هل حقيقة أنّ الحكومة واذرعها العسكرية والأمنية يمكن أن تبتلع الفشل، وتتجاوز ما جرى أم أن غياب الردّ يعني أنّ هناك ما يبيّته المجلس الأمني؟
في قرارات سابقة، كان سقوط هذا العدد من القتلى والجرحى يؤدّي إلى شنّ عدوانات واسعة، فما بالنا إزاء حكومة تشعر بالضعف، وتقدم ذخيرة إضافية لـ»المعارضة» الداخلية، وحتى لـ»المعارضة» التي تتّسم بالتطرّف الزائد في الحكومة.
ما زلت أعتقد أن الحكومة الإسرائيلية، قد تعطي أولوية لشنّ العدوان على قطاع غزة ، وقد يكون ذلك، من خلال العودة لسياسة الاغتيالات، وهي لا يمكن أن تقبل رد « حماس » الذي أحال المسؤولية عن عملية «عيلي» إلى تصرفات ذاتية، وليس إلى قرار من الحركة.
الهدف من شنّ عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة، من المتوقع أن يكون لتحييد مقاومة غزة، حين تشنّ إسرائيل عملية اجتياح لشمال الضفة، على نحوٍ شامل أو كلّ منطقة على حدة.
إسرائيل تعرف بأنّ عملية اجتياح لشمال الضفة، ستؤدّي بالتأكيد إلى انخراط مقاومة غزة في المواجهة، ما يجعلها أمام ساحتين ساخنتين، بالإضافة إلى توقعاتها بشأن انخراط عرب الداخل بما يؤكد وحدة الساحات على أرض فلسطين كحدّ أدنى.
إسرائيل تتحسّب في الأسابيع الأخيرة لما قد يقع في الداخل من قبل مواطنيها الفلسطينيين، ولذلك اتخذت قرارات بتعزيز وجود الجيش. المسألة تتعلق بالتوقيت وليس بمبدأ أن يحضر أو يغيب الردّ على ما وقع.
مؤقّتاً، جرى تحريض المستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين في حوارة وترمسعيا، وبروقين وعلى الطرق العامّة، وبحماية ومشاركة الجيش، ولكن ذلك لا يكفي للانتقام ومحاولة إظهار القوة، واستعادة الردع الذي يتآكل يوماً بعد الآخر. وفي الخلاصة، فإنّ هذه الحكومة لا يمكن ولا تستطيع مخالفة طبيعتها الاحتلالية العدوانية العنصرية والفاشية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد