يشعر الفلسطينيون بقلق شديد حول أمر يفترض أن يكون بديهيًا، بل وتلقائيًا، هو.. من الذي سيخلف عباس؟ وكيف سيتم ذلك؟
الصحف والمواقع الإلكترونية تلقي بين وقت وآخر بعدد من الأسماء، وتعزو كثيرًا من الأحداث الداخلية الفلسطينية إلى ما تسميه «معركة الخلافة»، والجهات صاحبة الأجندات الخاصة بالشأن الفلسطيني تستنفر قرون استشعارها لعلها تجد اسمًا يستحق الرهان عليه، ومن ضمن ما تفعل في هذا السياق تسريب بعض الأسماء ورصد ردود الفعل عليها، واستنتاج الفرص والمؤهلات.
لم يكن هذا الأمر مطروحًا كأحجية كما هو عليه الآن، فقد كان محسومًا أمر الزعامة بعد الشقيري لعرفات، وكان محسومًا كذلك بعد عرفات لعباس، وكانت الطبقة السياسية الفلسطينية تتكيف مع هذه التلقائية في الخلافة.
في زمن الشقيري وبدايات عرفات تولّى العرب إزاحة الأول وفتحوا الطريق للخليفة المتناسب شكلاً وموضوعًا مع مرحلة تعويض النكسة الفادحة التي رفع عبد الناصر شعارها الشهير «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، وفي هذا السياق حسم عبد الناصر أمره بتبنٍ صريح لزعيم فلسطيني استبدل ربطة عنق الشقيري بكوفية وبذلة كاكية وبندقية.
أخذت فترة عرفات زمنًا طويلاً، كان صعود الظاهرة الثورية بعد نكسة يونيو (حزيران) في مرحلة ما من مراحلها المتعددة، أشبه بسباحة مع التيار، كانت مرحلة فيها معارك كثيرة ودماء غزيرة إلا أنها كانت مرحلة الإنجازات النوعية في التاريخ الفلسطيني المعاصر.
غيّب الموت عرفات عن المشهد الفلسطيني والشرق أوسطي، كان ذلك في قلب مرحلة السلام، التي أفرزت إخفاقاتها انتفاضة مسلحة قادها عرفات بالجملة والتفصيل.
على نحو تلقائي انتقلت رئاسة الفلسطينيين إلى محمود عباس ، كان هذا الانتقال مؤيَّدًا من العالم كله، ولكل من أيّد قراءته الخاصة لما بعد عرفات، إلا أن الإجماع على عباس كان له كلمة سر وحدت الجميع وهي الخوف من الفراغ المدمر الذي يمكن أن ينشأ بعد غياب الزعيم المستحوذ طويل الأمد، أما رهان كبار مقاولي عملية السلام فكان أساسه استنتاج غير مدقق مفاده.. ما لم يستطعه عرفات قائد الثورة، يستطيعه عباس قائد الحل.
غير أن ما حدث بالضبط ومنذ بدايات سنوات غياب عرفات كان الأصعب والأخطر مما مر على الفلسطينيين من أحداث بعضها بلغ حد الكارثة.
عرف الفلسطينيون لأول مرة في تاريخهم الانقلاب العسكري، وعرفوا كذلك الانقسام الأفقي والعمودي لوطنهم وشعبهم، وانتهت رهانات التسوية التي دخلها الفلسطينيون من أجل أن تفضي بعد سنوات قليلة إلى الدولة، وانحشر الفلسطينيون بين أزمة مالية خانقة وأخرى أشد، وضاعفت إسرائيل من تنكيلها بالأرض والشعب الفلسطيني ودخلت غزة عدة حروب مدمرة ما زال الفلسطينيون يعانون من نتائجها، وقد هرب الفلسطينيون من الجحيم الذي فرض عليهم إلى آخر الدنيا لعلهم يودعون قضيتهم المهددة بالاندثار في خزانة دولية هي الأمم المتحدة ومؤسساتها، التي تملك جعل القضية قيد التداول وتبعدها قليلاً عن النسيان دون تقديم حل حقيقي يرضي الفلسطينيين ويرفع عنهم أذى الاحتلال.
وفي هذه الظروف الصعبة التي ضاعف من أثرها السلبي ظروف المحيط العربي الأكثر صعوبة ينظر الفلسطيني في كل الاتجاهات ولا يرى غير انسداد الآفاق، إلا أن الرئيس محمود عباس الذي إن لم يتحمل مسؤولية كل هذا فهو بالتأكيد وبكل المقاييس يتحمل المسؤولية الأولى عن الخروج من المأزق الراهن.
الرئيس عباس وفي كل مناسبة يذكر الفلسطينيين والعالم بأنه دخل عامه الحادي والثمانين مفتتحًا بهذا التذكير النقاش حول خلافته، وعلى مدى فترة طويلة وربما حتى الآن يعلن عباس عن عدم رغبته في الترشح للرئاسة، وهذا الموقف إلى جانب القلق الذي أشاعه في أوساط الفلسطينيين وأصدقائهم، وضع مسألة الرئاسة الفلسطينية كتحدٍ لا قبل للمؤسسات الفلسطينية بتأمين انتقال سلس لها على نفس الصورة التي تمت منذ الشقيري إلى عباس.
كلمة السر في أمر الخلافة مختبئة في ثنايا فتح التي لم يعد فيها بعد عباس أي مرشح تلقائي وإن وجد من خلال الأطر القائمة فلا ضمانة له بالفوز على الصعيد الشعبي الأوسع، وكلمة سر أخرى بالغة التأثير في أمر الخلافة تختبئ كذلك في صدر صناع القرارات الجدية في حماس ، وهذا ما يزيد الأمر تعقيدًا وما يفتح الأبواب على كل الاحتمالات خصوصًا السلبية منها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية