الاستخبارات الأميركية تسيطر على شركات التكنولوجيا

الاستخبارات الأميركية تسيطر على شركات التكنولوجيا

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) في مطلع عام 2021 تقريرا كشفت فيه أن الاستخبارات العسكرية الأميركية تتبعت مواقع الهواتف الذكية في البلاد دون إذن قضائي.

واستخدمت الاستخبارات العسكرية الأميركية عدة تطبيقات لتجسس على أصحابها، منها برنامج تحديد المواقع الجغرافية، وأنها فعلت ذلك 5 مرات منذ النصف الثاني من 2018 إلى نهاية 2020.

ولفتت الصحيفة إلى أن ممثلين عن الاستخبارات العسكرية الأميركية أكدوا في تحقيق فتحه مجلس الشيوخ (الكونغرس) آنذاك أن وكالة الاستخبارات استخدمت في تتبعها للهواتف المحمولة في البلاد برامج مرخصا لها ومتاحة للبيع، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، وعبرت عن قناعتها بأنها لا تحتاج إلى إذن قضائي لذلك.

وأضافت الصحيفة أن الاستخبارات الأميركية استغلت في ذلك عدة برامج متاحة عادة في الهواتف الذكية، مثل برامج أحوال الطقس وبعض الألعاب وتطبيقات أخرى تطلب من المستخدم عند تنزيلها الإذن بالوصول إلى برنامج تحديد الموقع الجغرافي "جي بي إس" (GPS).

وحاولت وكالات الاستخبارات وعدة مؤسسات أمنية أخرى خلال العقدين الماضيين، الوصول إلى الابتكارات التكنولوجية من مصدرها في وادي السيليكون، وذلك لإنشاء كيانات وشركات للتكنولوجيا وتمويل مشاريعها، والتغلغل في المؤسسات المنظمة للأنشطة التي يشهدها معقل شركات التقنية، وتنسيق المؤتمرات والمنتديات وغيرها.

أميريكا تشن حرب افتراضية

تشمل الحرب الافتراضية، أو الحرب بواسطة الخوارزميات، العديد من العناصر المختلفة التي تستند إلى إنتاج وتحليل كميات هائلة من البيانات المجمعة من الطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية والكاميرات والهواتف المحمولة والمعاملات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ورسائل البريد الإلكتروني ومصادر الإنترنت الأخرى.

وبرز وادي السيليكون كمركز رئيسي لهذا النوع من العمل الدفاعي والاستخباراتي الاستباقي، في هذا العصر الذي يتميز بالابتكار السريع وأنماط الحوكمة الخوارزمية، واشتعال المنافسة الشرسة بين الدول لتطوير تقنيات الحرب الافتراضية، لذلك أولت المؤسسة العسكرية الأميركية اهتماما بالغا بهذا المجال.

الحرب الافتراضية.webp
 

التقاطع بين وزارة الدفاع وشركات التكنولوجيا الكبرى

هناك العديد من الاختلافات بين وادي السيليكون ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ولكن بالرغم من ذلك، أنشأ وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، في أغسطس/آب 2015 ما سماه وحدة الابتكار الدفاعية التجريبية، أو "ديوكس" (DIUx)، وتتمثل مهمتها في تحديد الشركات التي تطور تقنيات قد تكون مفيدة للجيش والاستثمار فيها، إلى جانب بناء علاقات مع الشركات الناشئة، وتجنيد أفضل المواهب.

من خلال هذه الوحدة، التي عملت وسيطا بين البنتاغون وشركات التقنية، جرى توجيه مئات الملايين من الدولارات من ميزانية وزارة الدفاع نحو الشركات الناشئة التي تطور تقنيات على وشك الاكتمال.

كما نظّم كارتر في شهر مارس/آذار 2016 مجلس الابتكار الدفاعي لتقديم المشورة والتوصيات لقيادة البنتاغون، وعين الرئيس التنفيذي السابق لشركة "غوغل" (Google)، إريك شميدت، لرئاسته، كما ضم المجلس مديرين تنفيذيين حاليين وسابقين من فيسبوك (Facebook) وغوغل.

وبعد 3 سنوات من إطلاق الوحدة، تغير اسمها إلى وحدة الابتكار الدفاعية، ووصفت بأنها أحد الأصول القيمة لتعزيز الابتكار وتغيير طريقة بناء وزارة الدفاع للقوة الأكثر فتكًا.

في أوائل 2018، طلبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب زيادة كبيرة في ميزانية الوحدة للسنة المالية 2019، من 30 مليون دولار إلى 71 مليونا، في حين طلبت الإدارة في عام 2020 ميزانية وصلت إلى 164 مليون دولار.

وحدة ديوكس بوزارة الدفاع الأميركية مهمتها الاستثمار في الشركات التي تطور تقنيات قد تكون مفيدة للجيش (رويترز).webp
 

صندوق الاستثمار التابع لوكالة الاستخبارات المركزية

صممت الوحدة على غرار شركة أخرى تأسست لخدمة الاستخبارات الأميركية بطريقة مماثلة، حيث أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) في أواخر التسعينيات كيانًا غير ربحي يسمى "بيليوس" يهدف إلى حل مشكلة البيانات الضخمة والاستفادة من الابتكارات التي يطورها القطاع الخاص، مع التركيز على وادي السيليكون.

ومن خلال توجيه الأموال إلى الشركات الناشئة، فإن الوكالة كانت تأمل في الحصول على ميزة على منافسيها العالميين عبر استخدام صناديق الاستثمار لاستقطاب المهندسين والعلماء والمبرمجين.

وهذا الكيان يبدو مستقلا عن الوكالة لكنه يستجيب لها بالكامل، كما أنه يعمل في الأماكن العامة، لكن منتجاته سرية تماما. وفي عام 2005، ضخت فيه الوكالة ما يقرب من 37 مليون دولار، بينما تضخم التمويل السنوي بحلول عام 2014 إلى ما يقرب من 94 مليونا، وقد نفذ 325 استثمارًا في مجموعة من شركات التقنية.

وجرى إنشاء بيليوس ووحدة الابتكار الدفاعية لنقل تقنيات القطاع الخاص الناشئة إلى الاستخبارات الأميركية والوكالات العسكرية، حيث يتمثل دورها في الاستحواذ على الابتكارات التكنولوجية وجلب الأفكار الجديدة.

ومؤسسة "بيليوس" تعد مثالا واضحا على عسكرة صناعة التكنولوجيا، إذ مولت في عام 2003 الشركة الناشئة "كي هول" (Keyhole)، التي اشترتها غوغل في عام 2004 وغيرت اسمها إلى "غوغل إيرث".

ومثلت عملية الاستحواذ اللحظة التي غيرت وجه غوغل وبدأت مرحلة اندماجها مع الحكومة الأميركية، وبحلول عام 2007، كانت غوغل تسعى للحصول على عقود حكومية موزعة بين الوكالات العسكرية والاستخباراتية والمدنية.

وبينما سوّقت مايكروسوفت نظارة هولولينس (HoloLens) بصفتها جهازا مفيدا للاعبين والفنانين والمهندسين المعماريين، لكن المستهلك الرئيسي لهذا المنتج هو قوات مشاة البحرية الأميركية.

وفي حين يمكن استخدام برنامج التعرف على الوجه من أمازون للمعاملات المصرفية أو أجهزة الصراف الآلي الآمنة، فيمكن أيضًا استخدامه للمراقبة من قبل الجيش أو المخابرات أو وكالات تطبيق القانون.

كما أن المنصات السحابية التي تقدمها شركات مايكروسوفت وأوراكل وأمازون وغوغل قد يستثمرها الباحثون والعلماء أو مسؤولو الصحة العامة أو الشركات التجارية لتخزين المعلومات ومعالجتها، لكنها في الوقت نفسه قد تكون أداة فتاكة في أيدي العسكريين.

ومن الواضح أن السعي المحموم مستمر من شركات التكنولوجيا الكبرى للحصول على عقود دفاعية، وقد يصل إلى حد شرائها شركات مقاولات دفاعية في السنوات المقبلة. وسواء أدرك الموظفون ذلك أم لا، فإن جميع شركات التكنولوجيا العملاقة لديها رابط ما بالصناعات الدفاعية.

ختامًا، تثير مسألة عسكرة شركات التكنولوجيا الكبرى العديد من الأسئلة الأخلاقية والسياسية حول الدور الذي تلعبه هذه الشركات عبر تعاونها مع الوكالات الدفاعية والأمنية، حيث يجب عليها الموازنة بين المصالح المادية والمصالح المجتمعية والأخلاقية والمهنية.

ومن المرجح أن يستمر الجدل حول هذا التعاون بسبب الحاجة المتبادلة للطرفين، إذ إن العقود المبرمة مع تلك الوكالات توفر مصدرًا مهمًّا للإيرادات بالنسبة للشركات، بينما تسعى تلك الوكالات للاستفادة من تكنولوجيا تلك الشركات في سبيل تعزيز قدراتها.

المصدر : وكالة سوا - الجزيرة نت

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد