بدأت أسواق النفط الدولية تتعامل مع الآثار السريعة للاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، خاصة بعد قرار مجلس الأمن برفع العقوبات، رغم أن تنفيذ هذا القرار بحاجة إلى مزيد من الوقت، أسواق النفط بالكاد تتعاطى مع القرارات بقدر ما تتعاطى مع النتائج في السوق، إذ ان تدفق النفط الإيراني، حتى ولو بعد حين، سيؤثر مباشرة على مخزون شركات النفط العملاقة، التي كانت تحتجز ملايين البراميل، خشية من انخفاض متزايد في الأسعار من ناحية، وانتظاراً إلى رفع القيود والعقوبات، الأمر الذي من المحتمل أن يتأخر لحوالي ستة أشهر.
عاملان أساسيان سيؤثران على مقدرة إيران على التأثير على أسواق النفط بشكل مباشر، الأول يتعلق بقدراتها الإنتاجية، ذلك وبالنظر إلى العقوبات الدولية، فإن العديد من آبار النفط ومعدات الاستخراج والتصفية، باتت قديمة وعاطلة، وهي بحاجة إلى تدخل هندسي، وقطع غيار أساسية، كي تعود إلى ما كانت عليه قبل العقوبات، أما الأمر الثاني، فيتعلق بالأسواق النفطية، إذ ان سلم العقوبات، أفقد إيران بعض أسواقها التقليدية لصالح قوى نفطية أخرى، استعادة هذه الأسواق، قد يستغرق بعض الوقت وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل تراجع الأسعار، والكم الهائل من الفائض في السوق، علماً أن لدى إيران فائضا في الإنتاج يصل إلى 37 مليون برميل تم تخزينه في صهاريج عائمة قبالة سواحلها، وهي جاهزة للتصدير فور انفتاح الأسواق على الإنتاج الإيراني بعد قرار مجلس الأمن بوقف العقوبات، وهو ما يتيح لإيران بيع 180 ألف برميل يومياً لمدة ستة أشهر، وهو التاريخ المتوقع لبدء التنفيذ الفعلي لقرار مجلس الأمن، وانقضاء مدة الشهرين، لتصويت الكونغرس الأميركي على الاتفاق النووي، وإيران رغم حاجتها الماسة إلى عائدات النفط، إلاّ أنها تدرك أن ضخ المزيد من النفط إلى الأسواق، سيؤدي الى المزيد من تراجع الأسعار، ما يؤثر على مستوى الدخل، وهي بحاجة إلى فتح أسواق أكثر من حاجتها السريعة إلى تدفق العائد المالي من تصدير النفط، لذلك من المرجح أن لا تلجأ إيران، حتى لو استطاعت، إلى ضخ المزيد من النفط في الأسواق، كي لا تزيد من "حرب الأسعار" التي استخدمت ضدها من قبل الولايات المتحدة والسعودية في الأشهر الأخيرة، وهي تدرك أن الاحتياطات المالية لدى هاتين الدولتين، أميركا والسعودية، تكفلان استقرار اقتصادهما، بعكس الوضع في ايران، إذ إن سنوات من العقوبات، أثرت مباشرة على أوضاعها الاقتصادية واحتياطاتها المالية، وهي عاجزة، في هذا الوقت تحديداً، على المنافسة في ظل حرب الأسعار في أسواق النفط، الأمر الذي يفرض على طهران التعامل بهدوء، واتزان في المسألة النفطية.
إيران قد تكون بحاجة إلى استثمارات هائلة من أجل اصلاح البنية التشغيلية لآبارها النفطية، هناك تقديرات أنها بحاجة الى حوالي 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، وهو أمر بالغ الصعوبة، ذلك أن دخول المستثمرين إلى السوق الإيرانية، رغم ال حماس الشديد لذلك، يشوبه الكثير من الحذر خشية من عدم الالتزام بالاتفاق النووي من ناحية، وبالبيروقراطية المتلازمة مع النظام الاقتصادي الإيراني، الأمر الذي من شأنه التعامل الحذر والمزيد من الوقت قبل الدخول إلى السوق الاستثمارية الأجنبية في إيران.
الخبراء النفطيون، يمنحون إيران حتى نهاية العقد الجاري، للعودة إلى إنتاجها النفطي كما كان عليه قبل خمسة أعوام، 2008، بحدود أربعة ملايين برميل يومياً، أي العودة لثاني أكبر مصدّر للنفط بعد السعودية، وهذا يعيدنا إلى التوترات المحتملة داخل منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) إذ إن إيران كان لها موقف تقليدي سابق يقضي بعدم ضخ المزيد من النفط لضمان استقرار الأسعار عند مستوى مناسب، غير أنها قد تعدل عن هذا الموقف لرغبتها في التعويض عن قصورها في الإنتاج والتصدير والعائدات لأكثر من خمس سنوات متتالية، وقد تفقد إيران، لهذا الموقف الجديد المحتمل عدداً من الدول الحلفاء لها داخل "أوبك" مثل انغولا والجزائر وفنزويلا، التي تعتمد ميزانيتها حصراً على الإنتاج النفطي، التي ستبقى مع خفض الإنتاج لدعم الأسعار التي تزداد تدهوراً.
وهناك خشية باتت محتملة أكثر من أي وقت مضى، ان منظمة الأوبك التي تمتلك حصة الثلث في السوق النفطية الدولية، قد تفقد قدرتها على الاستمرار موحدة في ظل التناقضات المتزايدة حول الحصص الإنتاجية، بين قوى نفطية غنية قادرة على تحمّل تبعات تراجع الأسعار، ودول أخرى، أعجز من تحمل هذه النتائج، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع نسبة أوبك في السوق، لصالح قوى نفطية خارج أوبك أكثر قدرة على تحديد الأسعار وفقاً للإنتاج مثل الاتحاد الروسي، ونفط بحر الشمال في بريطانيا، إضافة إلى التهديد المحتمل والمرجح من قبل الإنتاج الأميركي من النفط الصخري.
من ذلك كله نستخلص عدة ملاحظات: عودة الهدوء إلى أسواق النفط، رغم عودة إيران إلى الإنتاج، سيتخذ المزيد من الوقت، كما أن أوبك قبل عودة إيران إلى الإنتاج النفطي هي غيرها إيران، وهي غيرها أوبك قبل ذلك، أسعار النفط المنخفضة، ستحسن من استقرار اقتصاد الدول الفقيرة غير النفطية، ربما لبعض أشهر إضافية، بانتظار نتائج حرب أسعار جديدة، لا يمكن توقع تداعياتها، بالنظر إلى تدخل العناصر السياسية في هذه الحرب!!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد