تعتبر زيارة وفد حركة " حماس " للسعودية ولقاءاته مع أهم القادة السعوديين الملك سلمان وولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان وقادة آخرين على درجة كبيرة من الأهمية للحركة التي عانت الكثير من العزلة وخاصة بعد التطورات التي شهدتها مصر وأدت إلى سقوط نظام حركة " الإخوان المسلمين" برئاسة محمد مرسي وتدهور العلاقة بين "حماس" ودول عربية عديدة منها مصر والسعودية والإمارات عدا عن تدهورها مع إيران وسورية بسبب موقف "حماس" من دعم المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد. ويعتبر وجود صالح العاروري في الوفد الحمساوي لافتاً بسبب مهمته الخاصة في موضوع العمل العسكري. وبغض النظر عن تضارب الأنباء حول نتائج الزيارة إلا أن ما ذكره القيادي في "حماس" محمود الزهار بأن هذه الزيارة كانت مثمرة وكسرت الجمود في العلاقة مع السعودية وأدت إلى الإفراج عن معتقلين من الحركة في السعودية هو دقيق ويمثل رداً متواضعاً في تفسير اهمية الزيارة.
الزيارة أثارت حفيظة إيران وحزب الله اللذين عبرا عن امتعاضهما من تحول "حماس" إلى أداة في المحور المعادي لإيران وخاصة ما قيل عن تدخل "حماس" في الحرب مع التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن وتناولت وسائل الإعلام الإيرانية والتابعة لحزب الله أنباء عن تجنيد خبراء من "حماس" في قتال حرب الشوارع وربما في قتال الأنفاق تحت الأرض التي برعت فيها "حماس". وهذا يعتبر انقلاباً في تحالفات "حماس" مع إيران التي ساءت على أثر الموقف من الأزمة السورية ثم جرى تلطيفها نسبياً بعد ذلك لتتدهور تماماً الآن في اعقاب زيارة وفد "حماس" للسعودية. وتقول مصادر إيران وحلفائها أن "حماس" طالبت بدعم سعودي مقداره 20 مليون دولار شهرياً لكي تتمكن من إدارة شؤون غزة والصرف على موظفيها ومؤسساتها. ومقابل ذلك تريد السعودية تجنيد مقاتلي "حماس" في المعركة التي تقودها ضد الحوثيين ومن خلفهم إيران وأيضاً تجنيد حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الذي هو بمثابة حركة الإخوان المسلمين" اليمنية.
ربما يكون مبكراً البحث في نتائج زيارة وفد "حماس" للسعودية لأن ما حصل في هذه الزيارة ليس واضحاً تماماً، ولكن "حماس" سجلت لنفسها اختراقاً مهماً على جبهة الدول العربية المركزية وخاصة بعد الدور القيادي الذي تلعبه السعودية في أزمتي سورية واليمن، وهناك أقاويل كثيرة حول طلب السعودية من مصر تحسين علاقاتها مع "حماس" ورفض الأخيرة هذا الطلب واعتباره خطاً أحمر في العلاقة مع مصر التي ترى في حركة" الإخوان المسلمين" خطراً على الأمن القومي العربي وعلى أمن مصر على وجه الخصوص، وربما يكون هذا الموضوع أحد الموضوعات الحساسة التي تثقل على العلاقة المصرية – السعودية بالإضافة إلى الخلاف حول الملف السوري حيث ترى مصر أن سقوط الرئيس الأسد سيؤدي إلى سيطرة الإسلاميين المتطرفين على الحكم وهذا يمس أمن العرب وأمن مصر. ومصر منزعجة من البدائل السعودية للأنظمة ومن تحالفاتها مع "الإخوان" والسلفيين.
بالنسبة لـ" حماس" تعتبر السعودية دولة مهمة ليس في الإطار العربي فقط بل في الإطارين الإقليمي والدولي، ففي الحلبة الدولية لها علاقات مميزة مع الولايات المتحدة والدول الغربية حتى لو كانت ممتعضة من الموقف الأميركي من الملف النووي الإيراني. ويمكنها تسويق "حماس" التي باتت لاعباً مهماً في كل ما له علاقة بالملف الفلسطيني. غير أن "حماس" هنا تخسر إيران وتخسرها تحديداً بعد أن حققت إنجازاً في ملفها النووي وحصلت على اعتراف دولي ثمين بانها دولة نووية وتمتلك خبرات في هذا المجال، والأهم بأنها لاعب إقليمي فرض نفسه في ملفات عديدة، وكان حاضراً بقوة في كل بحث لهذه الملفات خاصة ملفي العراق وسورية بالإضافة إلى الملف اللبناني، كما أنها طرف في ملفات أخرى كاليمن ولها دور معين في أحداث البحرين وبعض المناطق. وهنا على "حماس" معادلة الربح والخسارة في علاقتها مع كل من السعودية وإيران.
من الواضح أن الخاسر الأبرز في التطورات الجارية في المنطقة وتغير وتبدل التحالفات هو السلطة أو القيادة الفلسطينية التي باتت تشعر أنها مستثناة من الكثير من الأمور، فهي تعاني من فتور وأحياناً برود في العلاقات مع بعض الدول العربية تصل إلى مستوى القطيعة كما في العلاقة مع دولة الإمارات العربية، كما أن أطرافاً دولية عديدة باتت تحاور "حماس" وتتوسط لها عند إسرائيل ويقال أن اتفاقاً على وشك التوقيع بين إسرائيل و "حماس" بعيداً عن اي دور للسلطة، بل أن المرور على السلطة يحصل في الطريق إلى "حماس"، أي أن العالم يغير موقفه من "حماس" خلافاً للمواقف المعلنة، و "حماس" بدورها تكيف مواقفها مع هذه التغيرات على الأقل باتت تتحدث بمفاهيم قريبة من مفاهيم السلطة في موضوع الأمن والمقاومة والتنسيق وغيرها حتى لو أنها ما تزال بين الفينة والأخرى تعيد تكرار شعارات بات الناس يدركون أنها ليست سوى ضريبة كلامية لا أكثر، أي أن البساط يسحب من تحت أقدام السلطة وتعاد صياغة العلاقات والتحالفات في المنطقة بحيث لا تكون القيادة الفلسطينية وسلطتها العنوان الوحيد للفلسطينيين أو الكيان الوحيد الذي يتم دعمه على طريق تحقيق الدولة الفلسطينية. وأخطر ما في الموضوع هو تراجع المشروع الوطني الفلسطيني داخلياً وخارجياً وهذا يتطلب البحث والتدقيق والمعالجة الفورية، ولكن هذا غير وارد الآن في ظل سياسة تدمير الذات وإعطاء الأولوية للصراعات الداخلية وتصفية الحسابات وإطلاق النار الذاتي على الأرجل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية