صباح العيد للحلوى .. صباح العيد للأحباب والارحام هكذا هو العيد في البيوت التي لم تصب بمس من شيطان الحرب ، تلك التي لم يغادرها أحبتها .. تلك التي ماتزال تحتفظ جدرانها بالذكريات ، ولأن غزة بلد المتناقضات لصباح العيد فيها لون آخر، فمن غابت عنهم شمس أحبتهم يكتفون بفنجان قهوة مر يقدموه لك لكي تقول لهم كل عام وأنتم بخير، اشرب معهم فنجان قهوتهم ثم اصمت قليلا وانظر في عيونهم لن تحتمل سوى نظرتين .. نظرة تواسيهم بها ، ونظرة أخرى تتخيل أنك في نفس موقفهم فتنفض رأسك من غبار هذه التخيلات القاسية .. ثم تذهب لبيت آخر دفنت ذكريات أصحابه تحت الركام فاستقبل أصحابه زوار العيد على أكوام من الحجارة ، فأهل غزة مهما كان مصابهم لم يغلقوا أبوابهم في وجه العيد ،عاشوه كلٌ على طريقته ، كعك العيد في بيت وقهوة العيد في بيت اخر ، بيت يحتفل بالعيد وآخر يعزي بالفقيد ، وجهان متناقضان لكنهما لجسد واحد يدعى غزة .. غزة التي كانت يُعزف لها لحن الموت فترقص له رغبة في الحياة .. تلك الرغبة التي تسمعها مع صوت ضحكات أطفالها الذين وإن ارتدوا ثيابا جديدة أو قديمة يحرصون على أن يركبوا المراجيح ، أحد الأطفال أعجزني عن الكلام عندما رأيته بجوار إحدى المراجيح فظننت أنه ينتظر دوره لكنه استغل مروري لينادي بأعلى صوته : (عِنا اللفتين بشيكل ) هو طفل لم يتجاوز الثامنة من عمره لكنه يفرح بالعيد على طريقته .. أطرف ما في فرحة هذا العيد ما قاله لي أحد الجيران : (أنا بستنى العيد لأن الكهربا ما بتنقطع ثلاث أيام ) لكل منهم أسبابه حتى يفرح ربما تكون فرحة مصطنعة أو واجبة.. لا أحد يستطيع أن يتكهن بحقيقتها ، فلكل انسان في غزة سبب يجعله يفرح بالعيد تختلف الأسباب ولكن النتيجة أننا مازلنا نراها ونسمع عنها ، فبعد مرور عام على حرب أكلت الأخضر واليابس ، عصرت العيون حتى جف دمعها ، وقهرت القلوب حتى عز نبضها ، لم أكن أتوقع أنني لن أجد موطئ قدم في السوق لأشتري ثيابا جديدة لأبنائي ، ولم أكن أتوقع أن أشم رائحة الكعك وأنا أسير بين أزقة شوارعها التي تآكلت جدرانها من الفقر ، ولم أكن أتوقع أن أرى المراجيح تنصب على ركام المنازل المدمرة ، ولكن هذه هي غزة التي لطالما ارتدت ثوب الموت وكانت في الوقت نفسه تفصل ثوب الحياة ، فهي بلد تموت لتحيا ولهذا لازال العيد يزورها بل يحبها لأنها تعطي لفرحته قيمة وهيبة ... ففي غزة حتى تفرح بالعيد لابد وأن تكون قد بلغت أقصى درجات الصبر على المحن وأقصى درجات الصمود في وجه جيوب أفرغها الحصار وأقصى درجات الإصرار على مواصلة حياة تُنتزع أنفاسها كل يوم .. فعندما تتحدى كل ذلك من أجل فرحة العيد تكون قد انتصرت على كل الطائرات والدبابات والأسلحة الاسرائيلية التي لم تستطع أن تسلبها منك . لكن .. تخيلوا لو كانت فرحة العيد تحتاج لقرار سياسي موحد من قياداتنا كقرار المصالحة أو الإعمار أو رواتب الموظفين أو تسليم المعابر أو ..أو ..أو.. حينها أجزم لكم أنها لن تدخل أي بيت في غزة .. لأنهم سيعجزوا عن اتخاذ قرار واحد ولأننا سنعجز عن الوقوف في وجههم ..
كل عام وأنتم بخير
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية