لو كان لإيران في الأصل برنامج عسكري للتسلح النووي لاعتبرتُ الاتفاق الذي أبرمته مع «5 + 1» بمثابة هزيمة منكرة لأنها:
1. أنهت برنامج التخصيب الذي كان سيؤدي بها (أي بإيران) للوقوف على قاعدة مادية صلبة لصناعة القنبلة النووية بعد أن وافقت ايران الى معدلات قياسية منخفضة.
2. وافقت على التفتيش الشامل بما فيها بعض المواقع العسكرية الحساسة، كما وافقت أن يشمل هذا التفتيش المراحل السابقة وعلى «حق» الغرب بتعقّب وتتبع كل البرامج الماضية بهذا الشأن. أي الرقابة بأثر رجعي.
3. رضخت لشروط الغرب فيما يتعلق بالتسلح التقليدي، ووافقت على رقابة الأمم المتحدة على هذا التسلح، ما يعني أن تسلح إيران بالأسلحة التقليدية بات مقيّداً للسنوات الخمس القادمة على أقل تقدير، وانها (أي إيران) باتت تحت رحمة الغرب الذي «يستطيع» إذا رغب اختلاق عشرات الذرائع لمحاصرة قدراتها من امتلاك بعض الأسلحة التقليدية الخاصة.
4. كما وافقت ايران على ان تظل رهينة «لحسن السير والسلوك» الغربي من خلال تقرير وكالة الطاقة النووية في كانون الأول القادم، وهي ستبقى رهينة للتقارير الدورية لهذه الوكالة فيما بعد!!!
5. الموافقة على استمرار الحظر على البرامج الصاروخية الإيرانية (لمدة ثماني سنوات).
6. موافقة إيران على حق الفيتو لأي من الدول الموقعة على الاتفاق إضافة تبدو إيران هنا وكأنها قد انهارت تماماً لأنها في الجوهر وافقت على معظم المطالبات الغربية التي كانت ترفضها رفضاً «قاطعاً» في السابق.
لكن إذا دققنا في جوهر المواقف الغربية فإننا نلاحظ ببساطة ووضوح تام أن الغرب يعتبر نفسه منتصراً، ويرى نفسه منتصراً من زاوية قطع الطريق على البرنامج النووي العسكري لمدة تتراوح بين عشر وخمس عشرة سنة على الأقل.
أما إذا أمعنّا التدقيق في هذا «الانتصار» فإننا سنراه انتصاراً مبنياً على فرضية أن إيران كان لديها برنامج للتسلح النووي وان الغرب من خلال هذا الاتفاق قد تمكن من وقفه ولفترة طويلة قادمة نسبياً.
أزعم هنا أن البرنامج النووي العسكري لا أساس له من الوجود وان ايران لجأت إلى إيهام الغرب بأن لديها مثل هذا البرنامج وذلك بهدف تثبيت حقها وبقرار دولي بامتلاك المعرفة النووية ليس إلاّ.
وأزعم هنا أيضاً وكما كتبت من على صفحات «الأيام» أكثر من مرة وقبل أكثر من عام ونصف من اليوم أن الغرب اشترى الخديعة الإيرانية سواء بوعي أو بغير وعي.
وإذا أردنا مزيداً من الدقة فإن إيران قد ماطلت وسوّفت (ببراعة) طوال السنوات الماضية لأنها كانت مقابل بيع تلك الخديعة تشتري الوقت الضروري الذي كان يلزمها في المجالات التالية:
أولاً، في مجال المعادلة الدولية الشاملة
أدركت إيران وخصوصاً مع بدء الفترة الرئاسية الثانية للرئيس اوباما أن الولايات المتحدة لم تعد «مهتمة» بالحروب المباشرة وان الوضع الاقتصادي العالمي ووضع الاقتصاد الأميركي تحديداً لم يعد يحتمل شنّ حروب جديدة وهو ما اعتبرته إيران بمثابة حاجة أميركية وغربية للتفاهم مع إيران بدلاً من شنّ الحرب عليها.
ثانياً، تأسيساً على هذه القاعدة بالذات أدركت إيران أن التهديد الاسرائيلي بضرب ايران أصبح جعجعة إعلامية فارغة لأن إسرائيل لا تقوى على تحمل مسؤولية حرب شاملة مع إيران بمفردها.
ثالثاً، فهمت إيران أن حاجة الغرب للاتفاق معها سيعني في نهاية المطاف تراجع الغرب عن مطلب إسقاط النظام السوري وسيعني غضّ الطرف عن التحكم الإيراني بالعراق وبالمعادلة اللبنانية والعبث في الساحة الفلسطينية ثم أخيراً دعم «الفوضى» الحوثية في اليمن، ما يعني أن الوقت الذي اشترته إيران بناءً على فهمها للمعادلة الدولية قد مكنها في الواقع من التحول إلى قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، ما سيعزز من فرص تفاهم الغرب معها بدلاً من معاداتها الشاملة.
ليس صحيحاً أن ايران عقدت صفقة مع الغرب حول دورها الإقليمي لأن هذا الدور فرضته إيران قبل الاتفاق، بل ان ايران ماطلت كل هذا الوقت لأنها وصلت بالفعل إلى أقصى حدود الدور الممكن في هذه المرحلة.
إيران هي المنتصرة في هذا الاتفاق، والغرب ربما يعرف ذلك وهو راضٍ عن الخديعة لأنه يراها في مصلحته على المدى المتوسط والبعيد حتى وإن لم تكن كذلك في المدى المباشر.
الغرب أوهم نفسه أنه منتصر أو غير مهزوم (لا فرق)، وإسرائيل تعرضت لنكسة حقيقية. أما العرب فأغلب الظن أنهم ليسوا على اعتقاد بعينه ذلك لأنهم لا يعرفون بعد حقيقة الدهاء الإيراني وهم لا يعرفون أصلاً إذا كان الاتفاق فرصة أم تهديدا أم بين المنزلتين.
سنعود قريباً إلى مقالات (أين يتجه الإقليم) ذلك أن هذه التعريجة على الاتفاق بين إيران والغرب لم تكن خارج السياق بل في صلب قراءة اتجاه الإقليم، خصوصاً وأن هذا الاتفاق سيعكس نفسه على تطور الإقليم وسيساعدنا على قراءة الاتجاه بصورة أدق من أي وقت مضى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية